logo alelm
السعودية والقضية الفلسطينية.. تاريخ طويل من الدعم السياسي والإنساني

تُشكّل القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا من محاور الصراع العربي – الإسرائيلي، وواحدة من أكثر القضايا تأثيرًا وتعقيدًا في الشرق الأوسط؛ فمنذ بدايات القرن العشرين، برزت فلسطين في الوعي الدولي مع تصاعد الهجرات اليهودية وتزايد التوترات المسلحة، وصولًا إلى قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم الأرض وإعلان تدويل القدس، الذي لم يحقق العدالة المنشودة.

في هذا السياق، كانت المملكة العربية السعودية سباقةً في تبني مواقف ثابتة وداعمة للشعب الفلسطيني، واضعة القضية الفلسطينية على رأس أولويات سياستها الخارجية، ساعيةً إلى حماية الحقوق وإرساء أسس السلام، ومجسّدةً التزامها الإنساني والسياسي على مدى العقود الماضية.

عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله)

شاركت المملكة في مؤتمر لندن الخاص بفلسطين عام 1939، وأرسلت أبناءها للمشاركة مع القوات العربية في حرب 1948 للدفاع عن فلسطين، مؤكدة بذلك دعمها المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني، وملتزمة بنصرة قضيته في المحافل الدولية بوصفها القضية الأولى للعرب والمسلمين.

عهد الملك سعود بن عبدالعزيز (رحمه الله)

واستمر الدعم في عهد الملك سعود حين كان وليًا للعهد، حيث حرص خلال فترة حكمه على تقديم المساندة السياسية والمعنوية للفلسطينيين، وتقديم العون للأسر المتضررة، بالإضافة إلى توفير فرص العمل والإقامة في المملكة، في تجسيد عملي لمبدأ التضامن مع الشعب الفلسطيني.

عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز (رحمه الله)

ركّز الملك فيصل جهوده على نقل القضية الفلسطينية إلى إطار إسلامي أوسع، فكان من أبرز الداعمين لعقد القمة الإسلامية الأولى في الرباط عام 1969، عقب حادثة حريق المسجد الأقصى. وقد شارك في القمة وجعل من القضية الفلسطينية قضية جميع المسلمين، مؤكدًا في اتصالاته الدولية على ضرورة حماية القدس وصون حقوق أهلها.

عهد الملك خالد بن عبدالعزيز (رحمه الله)

واصلت المملكة خلال هذا العهد جهودها في حشد الدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وعملت على توحيد المواقف تجاه مسارات التسوية العادلة.

عهد الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله)

قدّم الملك فهد مبادرة للسلام عام 1981، والتي تحولت في “قمة فاس” بالمغرب عام 1982 إلى خطة السلام العربية، محددةً إطارًا عمليًا للتسوية على أساس قرارات الشرعية الدولية. كما حرص -رحمه الله- على توظيف الإعلام السعودي والعربي لنصرة القضية الفلسطينية، وأصدر توجيهاته بتقديم الدعم المالي والإنساني والإغاثي عبر قنوات رسمية وشعبية.

عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله)

وفي عام 2000، وخلال القمة العربية الطارئة بالقاهرة، بادرت المملكة، بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان وليًا للعهد، إلى اقتراح إنشاء صندوقي “انتفاضة القدس” و”الأقصى” بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار، حيث تكفّلت المملكة بتغطية ربع المبلغ المخصص لهما، إضافةً إلى تمويل مشاريع تهدف للحفاظ على هوية القدس ورعاية الأسر المتضررة.

كما قدّم -رحمه الله- “المبادرة العربية للسلام” خلال قمة بيروت عام 2002، والتي نصّت على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل.

عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (حفظه الله)

ومع تولّي خادم الحرمين الشريفين، واصل الموقف السعودي الثابت تجاه القضية الفلسطينية، حيث أُطلقت تسمية “قمة القدس” على القمة العربية التاسعة والعشرين التي استضافتها المملكة في الظهران عام 2018، مجدّدًا بذلك مركزية القضية الفلسطينية في وجدان الأمة، ومؤكدًا التزام المملكة بمواصلة تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني. وقد أعلنت المملكة خلال القمة تقديم 150 مليون دولار لدعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

الجهود الحديثة والتحالف الدولي لحل الدولتين (2024–2025)

في 27 سبتمبر 2024، أعلنت المملكة، ممثلة بوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، إطلاق “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كأساس لتحقيق السلام.

في 28 سبتمبر 2024، جدّدت المملكة دعوتها للدول التي لم تعترف بعد بفلسطين للمضي قدمًا في الاعتراف بها، دعمًا لمسار حل الدولتين.

وفي 29 سبتمبر 2024، رحبت المملكة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن أهلية دولة فلسطين للعضوية الكاملة، كما رحبت بقرارات عدد من الدول الأوروبية بالاعتراف بفلسطين، معتبرة هذه الخطوات تعزيزًا للمسار الدولي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

واستضافت المملكة في 30 أكتوبر 2024 الاجتماع الأول للتحالف الدولي، حيث شددت على وقف التصعيد الإسرائيلي وتفعيل آليات المحاسبة الدولية، والمضي بخطوات عملية تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية.

خلال أبريل ومايو 2025، ترأست المملكة، بالشراكة مع فرنسا، الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن التسوية السلمية بمقر الأمم المتحدة، وتم تشكيل مجموعات عمل متخصصة لإعداد المخرجات العملية في مجالات الأمن والحدود والاقتصاد واللاجئين والدعم الإنساني.

وفي 17 يونيو 2025، صدر بيان مشترك للرئاسة السعودية–الفرنسية وممثلي 19 دولة ومنظمة، أعرب عن القلق من التصعيد ودعا إلى احترام القانون الدولي واستعادة الهدوء.

اعتمد المؤتمر في 28 يوليو 2025 وثيقته الختامية، التي نصّت على إنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة على أساس حل الدولتين، مع إطلاق مسارات دعم اقتصادي وإنساني لإعادة الإعمار وتمكين مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية من أداء مهامها.

توجت هذه الجهود بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 سبتمبر 2025، المعروف باسم “إعلان نيويورك”، المؤيد لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بأغلبية 142 صوتًا، حيث رحبت المملكة بهذا القرار واعتبرته تأكيدًا على الإجماع الدولي لدعم فلسطين وحقها في إقامة دولتها على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي 10 سبتمبر 2025، أكّد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خلال افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، أن المبادرة العربية للسلام أصبحت إطارًا دوليًا لتحقيق الدولة الفلسطينية، وأن جهود المملكة أثمرت عن زيادة عدد الدول المعترفة بفلسطين وحشد غير مسبوق في مؤتمر نيويورك لتنفيذ حل الدولتين.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| أعلى الشركات عالميًا في الإيرادات لكل موظف لعام 2025

المقالة التالية

اليوم الوطني الـ95.. الملك عبدالعزيز وبناء الدولة الحديثة