logo alelm
اليوم الوطني.. ملامح شخصية المؤسس بعيون ابنه الملك فيصل

في أجواء الاحتفاء بذكرى اليوم الوطني للمملكة، تستوقفنا شهادات القادة الكبار الذين عاصروا مسيرة التوحيد وبناء الدولة. ومن بين تلك الشهادات النادرة، مقال خطّه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، يروي فيه بعضًا مما عاشه مع والده المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.

ولا تكمن قيمة هذا المقال في كونه شهادة ابن عن أبيه فحسب، بل لأنه أيضًا توثيق حيّ من رجل دولة وقائد عاش التجربة بكل تفاصيلها. ومن هنا تأتي أهمية العودة إليه، والوقوف عند ما تضمنه من ملامح شخصية الملك المؤسس وصفاته وإنجازاته. ولذلك نتناول في السطور التالية تفنيدًا وتحليلًا لمضمون ذلك المقال.

مُلك عظيم وتراث مجيد

ليس من اليسير أن اتحدث عن والدي كملك، لأن ذلك من حق التاريخ وحده. وربما كان غيري أقدر مني على إنصاف رجل عظيم مثله. بني ملكًا بعصاميته، وحفظ للعرب تراثًا مجيدًا في البلاد المقدس، وأقام الأمن والنظام في بقاع كانت تسودها الفوضى ويهددها الخوف في طرقها وأرجائها وتتألف من مقاطعات وإمارات وقبائل شني في مساحات واسعة.

وأضاف في المقال المنشور في صحيفة الفيصل الشهرية: “غير أنني استطيع أن أذكر بعض مزاياه التي هيأت له أن يبني هذا الملك، وأن يشيد هذا الملك والسلطان، على الرغم مما صادقه من شدائد وأهوال، لم تثنه عن الوصول إلى غايته، ولم تصرفه عن تحقيق أهدافه”.

مزايا الملك المؤسس

يقول الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في مقاله: “أولى هذه المزايا التي يتصف بها والدي، قوة الإيمان، فما رأيته منذ نشأت قد ضعف إيمانه بالله أو تخلى عن ثقته بنصر الله. ولقد أصيب في عنفوان صباه بضياع إمارة أبيه عبد الرحمن الفيصل، على الرياض، وسقوطها في أيدي منافسيه آل رشيد، فرحل مع والده وأهله إلى الكويت. ونزلوا ضيوفًا على شيخها، وانضموا إليه في محاربته لابن رشيد. وعلى الرغم من هزيمتهم في عدة معارك فإنه ما كاد يستعيد جيش أبيه الصغير في ذلك الحين، حتى هب لاستعادة بلاده، تحدوه قوه إيمانه، وقد صمم على الموت أو الفوز بالرياض، حتى أعادها وأعاد إليها مجد آبائه”.

وأضاف: “ثانية هذه المزايا التي يتسم بها جلالته، قوة إرادته، وشجاعته التي تبرز في أخرج المواقف وأدق الظروف. وأذكر على سبيل المثال أنه كان في موقعة تدعى : موقعة الحريق، فدارت الدائرة أثناء القتال على جيشه، وهم الجنود بالقرار، فبرز في مقدمة الصفوف ممتطيًا جواده ومتقلدًا سيفه، ونادي: أيها الإخوان! من كان يحب عبد العزيز فليتقدم، ومن كان يؤثر الراحة والعافية فليذهب إلى أهله ، فوالله لن أبرح هذا المكان حتى أبلغ النصر أو أموت.. فسرت الحماسة والحمية في نفوس الجند، وعادوا فشدوا على أعدائهم وكان لهم الفوز”.

وتابع: “وحدث أن قبائل العجمان بالأحساء، أرادوا أن يستقلوا بأعمالهم ويتصرفوا وحدهم في منطقتهم، فأبى ذلك عليهم، وزحف بجيشه فوقعت بينه وبينهم عدة معارك. وكاد في النهاية أن يخسر المعركة. وقد أطلق أحدهم عليه في أثنائها رصاصة أصابته في حزامه المملوء بالرصاص حول وسطه، فانفجرت أربع رصاصات منها، وشقت بطنه شقًا ندلت منه أمعاؤه ، فأسرع إلى ربطها بحزام آخر، وعاد إلى ميدان المعركة، وكان الجند قد ضعفت عزيمتهم، وتزعزعت شجاعتهم لما أصاب قائدهم، فوقف جلالته وقال لهم: أيها الإخوان ! لو أنني بقيت وحدي دونكم فلن أتقهقر. وقد عزمت على أن أدفن هنا أو أبلغ النصر. فمن شاء أن يبقى معي فليعمل مشكورًا، ومن شاء أن يعود فليرجع إلى أهله غير مأسوف عليه.. فأجابه الجند: نحن معك ياعبد العزيز حتى الشهادة. وكان الفوز لهم في النهاية. ودارت الدائرة على القبائل”.

واستكمل: “ثالثة هذه المزايا، حكمته وأناته في معالجته الأمور دولته، وهو يتوخى حل المشاكل بالسلم أولًا، كما أنه متسامح مع خصومه واسع الصدر، لا يدخر وسعًا في استخدام المرونة ووسائل اللين، ولا يلجأ إلى الشدة حتى يستنفد هذه الوسائل. وأذكر أنه لما وقع الخلاف بينه وبين الإمام يحيى إمام اليمن السابق، لم يتعجل الشدة، وجعل يحاول حل ما وقع بينهما من خلاف باللين والحلم، حتى كدنا نحن أبناءه ورجال دولته أن نرميه بالضعف، فلم يعبأ بنا، وسار في طريقه إلى الحد الذي لا ملام عنده للائم، ثم اضطر إلى السيف اضطرارًا.. وعندما توسط سادة من العرب بين الملكين كان سريعًا إلى الكف عن القتال”.

وقال: “قد تم بفضل سياسة الحكمة والحزم التي يسير عليها في إدارة بلاده الواسعة، إقرار الأمن فيها على منوال غير معروف في أكثر البلاد حضارة ومدنية. فاطمأن الناس على أرواحهم وأموالهم حتى ندر وقوع الحوادث العادية. والفضل في ذلك إلى يقظته الزائدة وأخذه المجرمين بالشدة”.

الملك المؤسس كأب

يقول الملك فيصل: “أما جلالته كأب، فأستطيع أن أقول إن كل فرد في شعبه يعتبره أبًا له. لما عرف عنه من عنايته بأبناء رعيته وعطفه الكبير وحنانه الواسع. إن والدي في تربيته لنا، يجمع بين الرحمة والشدة، ولا يفرق بيننا وبين أبناء شعبه. وليس للعدالة ميزانان يزن بأحدهما لأبنائه، ويزن بالآخر لأبناء الشعب. فالكل سواء عنده والكل أبناؤه. وأذكر أن أحد إخوتي الأطفال اعتدى على طفل آخر، فما كان من جلالته إلا أن عاقبه ولم يشفع له أنه ابن الملك”.

وتابع: “ليس لشفقة والدي وحنانه على أبنائه وأحفاده حدود. بل يغمرهم بعطفه في كل أن. وهو يحب أن يراهم يوميًا، وخاصة صغارهم. فيجتمعون بعد مغرب كل يوم في قصره، ويجلس إليهم فيلاطفهم واحدًا واحدًا. ويقدم إليهم الهدايا والحلوى، ويحب جلالته المباسطة على المائدة خلال تناول الطعام. ويمازح أبناءه وجلساءه ويحادثهم أحاديث طلبة لا أثر للكلفة فيها، ويعاملهم معاملة الصديق للصديق”.

واستكمل:”يحب جلالته الانتفاع بالعلوم الحديثة. ويرى أن نأخذ من المدنية أفضل ما فيها، ونترك مساويها وجلالته متفائل اليوم بالتعاون القائم بن رؤساء الدول العربية وقادتها وشعوبها، ويرى أن جامعة الدول العربية خير وسيلة في العصر الحديث لجمع كلمة العرب والدفاع عن حقوقهم، وتضامنهم في كل ما يعرض من مشاكل”.

واختتم: “أما قضية فلسطين، فهو متفق مع ملوك العرب ورؤسائهم في آرائهم وأهدافهم بشأنها. ومن رأيه أن مشاكل البلاد العربية الأخرى كالجزائر وتونس ومراكش وغيرها، ينبغي أن تحل، وأن تنال هذه البلاد حريتها واستقلالها. غير أن معالجتها لا تكون جملة بل تكون على مراحل، والزمن كفيل بتحقيق الأماني”.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

فزعة الملك.. عندما سعى المؤسس لتوحيد الوطن

المقالة التالية

الأغنية الوطنية السعودية.. الفن يؤرّخ مسيرة المملكة