logo alelm
قصة عائلة من غزة.. حين يصبح الطعام حلمًا

كل صباح، حين تخترق خيوط الشمس الأولى قماش الخيمة البالي، يستيقظ فادي وعبير صبح في مخيم للنازحين غرب مدينة غزة، لا على صوت أمواج البحر القريب، بل على وقع سؤال واحد يطرق رأسهما: كيف سنطعم أطفالنا الستة اليوم؟

لم يعد أمامهما سوى ثلاثة خيارات، كل واحد منها أكثر مرارة من الآخر، فربما يجدان مطبخًا خيريًا قد فتح أبوابه ليقدّم لهما قدرًا من حساء العدس المائي، أو قد يحاولان شق طريقهما بين الحشود المتدافعة للحصول على كيس طحين من شاحنة مساعدات عابرة، أو مد اليد طلبًا للصدقة.

وحين تفشل كل هذه المحاولات، وهو ما يحدث بوتيرة متزايدة، فإنهم ببساطة لا يأكلون، بل ينامون على الجوع الذي ينهش طاقتهم وقوتهم وما تبقى من أملهم.

تحكي مأساة عائلة صبح، التي نزحت مرات عديدة قبل أن تستقر في هذه الخيمة، قصة كل عائلة تقريبًا في قطاع غزة الذي دمرته الحرب على مدى 22 شهرًا.

يقول عمال الإغاثة إن الجوع قد تفشى بسبب القيود المفروضة على المساعدات، بينما حذر خبراء الغذاء من أن “سيناريو المجاعة الأسوأ يحدث الآن في غزة“، فبعد الحصار الكامل الذي فرضه الكيان المحتل منذ مارس، والذي استمر لشهرين ونصف بهدف الضغط على حماس، لم يعد تدفق المساعدات الذي استؤنف في مايو سوى جزء ضئيل مما هو مطلوب.

تبدأ طقوس الصباح باستحمام الأطفال بمياه البحر المالحة التي تجلبها عبير (29 عامًا) في ظل شح المياه العذبة، وتقف الطفلة هالة، ذات التسعة أشهر، في حوض معدني وتجهش بالبكاء حين يلسع الملح عينيها، أما إخوتها الأكبر سنًا، فقد اعتادوا الأمر، وبعد ذلك، تخرج عبير للبحث عن أي شيء يمكن أن يسد رمق أطفالها في وجبة الإفطار.

يتجه فادي (30 عامًا) في هذه الأثناء إلى مطبخ خيري قريب، لكنه يعود في معظم الأيام خالي الوفاض.

يقول بحسرة في حديثه لشبكة “أسوشتيد برس”: “المطبخ يفتح مرة واحدة في الأسبوع تقريبًا، والطعام لا يكفي الحشود أبدًا”.

كان فادي، الذي يعاني من الصرع، يذهب سابقًا إلى مناطق وصول شاحنات المساعدات، لكنه أصيب برصاصة في ساقه الشهر الماضي، فأصبح أضعف من أن يزاحم الآخرين.

وتتولى عبير المهمة الأصعب، حيث تتوجه أحيانًا مع ابنها البكر يوسف (10 سنوات) إلى نقاط توزيع المساعدات، حيث تجد نفسها المرأة الوحيدة تقريباً وسط حشود من الرجال الأقوى والأسرع.

تقول: “أحيانًا أنجح في الحصول على طعام، وفي كثير من الأحيان أعود فارغة اليدين”، وحينها، لا تملك إلا أن تناشد من حالفهم الحظ: “لقد نجاكم الله من الموت، أرجوكم أعطوني أي شيء”، وبالفعل يستجيب الكثيرون لندائها، فتجمع ما يكفي من الطحين لخبز أرغفة صغيرة لأطفالها.

ومع اشتداد حرارة النهار، يفضل الأبوان أن ينام أطفالهما، فالنوم يمنعهم من اللعب وتبديد الطاقة، ويؤجل شعورهم بالجوع والعطش، وحين تنكسر حدة الشمس، يخرج الأطفال في مهمة أخرى وهي البحث في الشوارع المدمرة وأنقاض المباني عن أي شيء يمكن استخدامه كوقود لموقد العائلة البدائي.

وإذا حالفهم الحظ، تجتمع المكونات الثلاثة للحياة في نهاية اليوم، وهي الماء والطعام والوقود، وحينها فقط، تستطيع عبير أن تطهو وجبة العشاء، التي غالبًا ما تكون حساء عدس، لكن في كثير من الأحيان، لا يوجد شيء، فينام الجميع على معدة خاوية.

تشعر عبير بالضعف والدوار بشكل متكرر، وبصوت منهك، تختصر مأساتها قائلة: “لقد تعبت. لم أعد قادرة. إذا استمرت الحرب، أفكر في إنهاء حياتي. لم يعد لدي أي قوة”.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| “كاوست” تبتكر حلًا يطيل عمر البطاريات المائية

المقالة التالية

إنفوجرافيك| المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية يتوج بجائزة ORP الدولية