بعد ستة أشهر من انطلاق رئاسته الثانية، يواجه دونالد ترامب اختبارين حاسمين لقوته العالمية الحقيقية في منطقتين تشهدان أزمات إنسانية ضخمة: قطاع غزة وأوكرانيا. هذان الاختباران سيحددان ما إذا كانت انتصارات ترامب الظاهرية قادرة على التحول إلى تأثير حقيقي على الأرض أم أنها مجرد مسرحيات دبلوماسية.
خلال زيارته إلى إسكتلندا، قام ترامب بتحول جذري في موقفه من الأزمة في غزة. رداً على مقاطع فيديو مروعة لأطفال يعانون من سوء التغذية في القطاع، ناقض ترامب بشكل مفاجئ ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم وجود مجاعة في غزة بعد أشهر من القصف الإسرائيلي المكثف.
قال ترامب بوضوح: “يجب أن نطعم الأطفال”، واعداً بإنشاء مراكز توزيع الطعام لتخفيف المجاعة المتفاقمة. هذا الموقف يضعه في تضارب مباشر مع نتنياهو، الزعيم الذي رفض مراراً الضغوط الأمريكية وألحق الضرر برغبة الرئيس في أن يُنظر إليه كصانع سلام.
ستيفن كولينسون كبير مراسلي CNN في البيت الأبيض، كتب تحليلًا مطولًا نشره الموقع الشهير، ذكر فيه أن وعود ترامب تواجه تحديات عملية هائلة. كيف يمكن إنشاء مراكز توزيع طعام في منطقة حرب قُتل فيها مدنيون أثناء انتظارهم في طوابير للحصول على المساعدات؟ لم يقدم ترامب تفاصيل واضحة حول كيفية تنفيذ هذه الخطة، كما تجاهل تماماً التواطؤ الأمريكي في أزمة المساعدات بعد الصعوبات التي واجهها برنامج إسرائيلي مدعوم من واشنطن تجاوز خبراء الأمم المتحدة.
وتابع كولينسون في تحليله: السؤال المطروح هو ما إذا كان التزام ترامب تحولاً حقيقياً أم مجرد حساب سياسي ذكي. فالرئيس ذو الحس السياسي الحاد قد يكون اعتبر أن الغضب المتزايد تجاه إسرائيل يعني أنه قد ينتهي به الأمر لتحمل اللوم عن الرعب المستمر. هذا التفسير الساخر يدعمه اقتراحه السابق بأن على سكان غزة المغادرة للسماح بإنشاء منتجع شاطئي في “ريفييرا الشرق الأوسط”.
في الاختبار الثاني لقوة ترامب العالمية، أعرب الرئيس عن إحباط متزايد من رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبول اقتراحاته “السخية” لصفقة سلام في أوكرانيا. قلص ترامب الموعد النهائي السابق من 50 يوماً إلى 10 أو 12 يوماً فقط، قائلاً: “لدينا محادثات لطيفة جداً، محادثات محترمة ولطيفة. ثم يموت الناس في الليلة التالية”.
إذا قرر ترامب حقاً التحول من مداعبة بوتين إلى معاقبته، فبإمكانه إلحاق ضرر بروسيا، خاصة من خلال العقوبات الثانوية التي تمول الحرب عبر صادرات النفط الروسية. لكن هناك مشكلة ضخمة: هذا سيتطلب من الولايات المتحدة مواجهة قوى مثل الهند والصين مباشرة، مما يخاطر بردود فعل اقتصادية عالمية.
مع وجود ترامب في إسكتلندا، كان مفاوضوه التجاريون في السويد يجرون محادثات رفيعة المستوى مع الصين قد تنتج “انتصاراً” آخر لاستراتيجية الرسوم الجمركية وربما مشهد زيارة رئاسية لبكين هذا العام. وتسائل كولينسون: هل ترامب مستعد حقاً للمخاطرة بكل هذا من أجل أوكرانيا – دولة يعتقد أنها حصلت بالفعل على مساعدات أمريكية مفرطة؟
يرى ستيفن كولينسون، أن الحراك القوي ضد بوتين في الأيام القادمة قد يرتد أيضاً ضد الرئيس الصيني شي جين بينغ – حتى ضد المصالح السياسية لترامب نفسه – سيُظهر أن الرئيس مستعد ليس فقط للهيمنة على الأوروبيين ولكن للوقوف ضد أكثر القادة عنفاً وقسوة.
فشله في اتخاذ مثل هذا الإجراء سيؤكد انتقادات من يرون أن انزعاج ترامب من بوتين يتعلق أقل بمحنة أوكرانيا، وأكثر بالإحراج من إحباط حملته لجائزة نوبل من قبل بطله السابق.
وختم كولينسون تحليله المطول، قائلا: هذان الاختباران – غزة وأوكرانيا – سيحددان ما إذا كان ترامب قادراً على تحويل شخصيته المهيمنة وقوته التفاوضية إلى حلول حقيقية للأزمات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في العالم. النجاح في هذين المجالين سيثبت أن قوته تتجاوز مجرد إجبار الحلفاء على قبول صفقات تجارية أو زيادة الإنفاق الدفاعي.
من ناحية أخرى، الفشل في تحقيق تقدم ملموس في أي من الأزمتين سيكشف أن انتصارات ترامب المُعلن عنها قد تكون وهمية، وأن قوته الحقيقية قد تكون أقل مما تبدو عليه في العناوين الرئيسية والمؤتمرات الصحفية المثيرة.
بعد أشهر من الانتصارات التكتيكية والصفقات الثنائية، يواجه ترامب الآن اختبارين حقيقيين لقوته العالمية في مناطق تتطلب حلولاً عملية ومعقدة تتجاوز مجرد الضغط والتهديد. غزة وأوكرانيا ستكونان المقياس الحقيقي لما إذا كان بإمكان ترامب تحويل هيمنته المؤقتة إلى قيادة عالمية حقيقية ومؤثرة على الأرض.