كشف مصدر سوري عن ملامح اتفاق سلام تاريخي محتمل بين سوريا والاحتلال، قد يتم توقيعه قبل نهاية عام 2025، من شأنه أن يطبع العلاقات بشكل كامل بين البلدين، وذلك في ظل استمرار المحادثات بين الجانبين برعاية أمريكية. وبحسب المصدر الذي نقلت عنه قناة i24NEWS العبرية، يتضمن الاتفاق انسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من جميع الأراضي السورية التي تم السيطرة عليها بعد 8 ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ، مع تحويل مرتفعات الجولان إلى ما وصفه بـ “حديقة للسلام”.
في المقابل، حدد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بشكل قاطع الموقف الإسرائيلي من أي تسوية مستقبلية مع سوريا، مؤكدًا أن اعتراف دمشق بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على مرتفعات الجولان يمثل شرطًا لا يمكن التنازل عنه لإبرام أي اتفاق تطبيع. وفي مقابلة حصرية أجرتها معه قناة “i24NEWS” العبرية، وضع ساعر هذا الشرط كأساس لأي مفاوضات مع حكومة الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، مما يضع إطارًا واضحًا وصعبًا للمحادثات المحتملة.
واعتبر ساعر أن فرصة التوصل إلى اتفاق سلام أو تطبيع مع سوريا، مع ضمان بقاء الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية، هو تطور إيجابي يخدم المصالح المستقبلية لإسرائيل. وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث تشير تقارير إعلامية إلى وجود تقارب غير معلن بين البلدين، نشأ في أعقاب الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران.
ووفقًا لما أوردته القناة، فإن هذا التقارب قد تعزز بعد أن سمحت سوريا للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي لتنفيذ عمليات عسكرية، بالإضافة إلى انطلاق بعض العمليات من داخل الأراضي السورية. هذا التعاون المزعوم، إن صحت التقارير، يمثل تحولًا استراتيجيًا في العلاقات بين العدوين التاريخيين، ويفسر جزئيًا السياق الذي تأتي فيه هذه التصريحات رفيعة المستوى.
تُعد مرتفعات الجولان هضبة خصبة لا تتجاوز مساحتها 500 ميل مربع، لكنها تحمل أهمية عسكرية استراتيجية كبرى بفضل موقعها الجغرافي المطل على كل من سوريا والأراضي المحتلة، وظلت هذه المنطقة واحدة من أهدأ حدود الكيان المحتل لنحو نصف قرن.
ودفعت الأهمية الاستراتيجية لمرتفعات الجولان لجعلها محورًا للصراع المستمر بين البلدين، حيث تمنح السيطرة عليها ميزة عسكرية لا يمكن إغفالها، وتوفر إطلالات بانورامية على أراضي الطرف الآخر. وقد ظلت هذه الهضبة نقطة خلاف جوهرية منذ أن استولت عليها إسرائيل قبل أكثر من خمسة عقود.
يعود تاريخ السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان إلى حرب الأيام الستة في يونيو 1967، عندما استولت عليها قوات الاحتلال من سوريا. وفي عام 1973، حاولت القوات السورية استعادة المنطقة في هجوم مضاد، لكن المحاولة باءت بالفشل وانتهت الحرب بهدنة تركت معظم الهضبة في أيدي الاحتلال.
وفي خطوة أحادية الجانب، أصدرت إسرائيل في عام 1981 قانونًا فرضت من خلاله قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على المنطقة، وهو ما اعتُبر بمثابة ضم فعلي لها. وقد أدى اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 إلى توترات جديدة في المنطقة، وأدى فعليًا إلى إغلاق أي جهود تفاوضية كانت قائمة بشأن مستقبل مرتفعات الجولان.
ولم يحظَ قرار الضم الإسرائيلي لمرتفعات الجولان بأي اعتراف دولي. فقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 1981 قرارًا واضحًا اعتبر فيه أن “القرار الإسرائيلي بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغٍ ولا أثر قانوني دولي له”. وعلى مدى عقود، رفضت الولايات المتحدة والأمم المتحدة الاعتراف باستيلاء إسرائيل على المنطقة، مؤكدين أن ترسيم الحدود يجب أن يتم عبر المفاوضات الدبلوماسية وليس من خلال العمل العسكري.
تتميز مرتفعات الجولان بأنها منطقة غير مكتظة بالسكان، حيث يقدر عدد سكانها بحوالي 50,000 نسمة. وتنقسم هذه التركيبة السكانية إلى نصفين تقريبًا؛ النصف الأول يتألف من المستوطنين اليهود الإسرائيليين، بينما يتكون النصف الآخر بشكل أساسي من السكان الدروز ذوي الأصول السورية.
وقد قاوم سكان الجولان الدروز تاريخيًا الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وحافظوا على صلات وثيقة بوطنهم الأم سوريا لعقود طويلة. ورغم أن الصراع المدمر في سوريا قد أثر على هذه الصلات، إلا أنهم لا يزالون يحتفظون بهويتهم. وعلى الرغم من هذا التاريخ المعقد، فقد كانت الحياة في مرتفعات الجولان هادئة نسبيًا مقارنة بالحدود الأخرى مع الأراضي المحتلة الأخرى، لكن وضعها النهائي يبقى قضية محورية في أي تسوية مستقبلية بين سوريا وإسرائيل.