في تصعيد لافت للمواجهة بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب، أمس الخميس، عن فرض عقوبات مباشرة على أربعة من قضاة المحكمة.
وتأتي هذه الخطوة الانتقامية، وهي الأولى من نوعها التي تستهدف قضاة بشكل فردي، كرد فعل على قرارين صدرا عن المحكمة؛ الأول هو ملاحقتها لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت في نوفمبر الماضي بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، والثاني هو قرار سابق صدر عام 2020 وسمح بفتح تحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان.
وشملت قائمة العقوبات، بحسب بيان لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، القضاة سولومي بالونجي بوسا من أوغندا، ولوز ديل كارمن إيبانيز كارانزا من بيرو، ورين أديلايد صوفي ألابيني جانسو من بنين، وبيتي هوهلر من سلوفينيا.
برر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هذه الخطوة بأن القضاة الأربعة “تورطوا بنشاط في أعمال المحكمة غير المشروعة واللا أساس لها، والتي تستهدف أمريكا أو حليفنا الوثيق، إسرائيل”، واصفًا المحكمة بأنها “مُسيّسة وتدّعي زورًا” امتلاكها سلطة على مواطني الولايات المتحدة وحلفائها. وقد قوبلت هذه الإجراءات باستنكار شديد من المحكمة نفسها ومنظمات حقوقية دولية. واعتبرت المحكمة الجنائية الدولية الخطوة الأمريكية مسعىً “لتقويض استقلال مؤسسة قضائية دولية توفر الأمل والعدالة لملايين الضحايا”، بينما وصفتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنها “هجومٌ صارخ على سيادة القانون”.
ومن شأن هذه العقوبات قدرة الأفراد المستهدفين على إجراء أي معاملات مالية مرتبطة بالنظام المصرفي الأمريكي، وإن كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أصدرت تراخيص مؤقتة لإنهاء التعاملات القائمة بحلول الثامن من يوليو.
وتزيد هذه العقوبات من حدة المواجهة بين واشنطن والمحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرًا لها، وتأتي استكمالًا لمسار بدأته إدارة ترامب في ولايتها الأولى عام 2020 بفرض عقوبات على المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودا، بسبب التحقيق في ملف أفغانستان. كما تأتي عقب تحرك من مجلس النواب الأمريكي في يناير الماضي لفرض عقوبات على المحكمة احتجاجًا على مذكرة اعتقال نتنياهو، مما يعكس دعمًا جمهوريًا قويًا للحكومة الإسرائيلية.
وتأتي هذه الضغوط الأمريكية في ظرف دقيق تمر به المحكمة، التي تعاني أصلاً من تداعيات عقوبات سابقة مفروضة على مدعيها العام الحالي، كريم خان، والذي كان قد تنحى مؤقتاً الشهر الفائت (مايو 2025) على خلفية تحقيق أممي في مزاعم سوء سلوك.
يُذكر أن المحكمة، التي تأسست عام 2002، تختص بمقاضاة أخطر الجرائم الدولية، لكن دولاً كبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين، بالإضافة إلى الكيان المحتل، ليست أعضاء فيها. وتنظر المحكمة حاليًا في تحقيقات حساسة أخرى تشمل الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي أصدرت على إثرها مذكرة توقيف بحق الرئيس فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى تحقيقات في السودان وميانمار والفلبين وفنزويلا.