أعادت شائعات وفاة الممثل علي المدفع، والتي انتشرت مطلع هذا الأسبوع وتم نفيها، تسليط الضوء على مسيرة فنان سعودي رائد، كان جزءًا على التحوّلات الفنية الكبرى في المملكة.
ويعد الفنان القدير علي المدفع أحد الوجوه الراسخة في ذاكرة الدراما السعودية، بمسيرة فنية استثنائية امتدت لأكثر من خمسة عقود.
رحلة عطاء علي المدفع
ولد علي المدفع في 6 سبتمبر 1937 بمحافظة المذنب في منطقة القصيم، بدأت علاقته بالفن في مطلع السبعينات من خلال الشغف والارتجال.
في تلك الفترة، كان يرتاد مقر نادي الهلال بالرياض برفقة أصدقائه، ومنهم محمد المنصور ومحمد المزيني وعلي الهويريني، وشكلوا معًا نواة لتقديم عروض مسرحية شعبية مرتجلة وفقرات كوميدية، يتقاضون عنها مقابلًا رمزيًا، واضعين بذلك اللبنات الأولى لمسيرته الفنية.
مثّل افتتاح التلفزيون السعودي الرسمي نقطة تحول جوهرية، حيث انتقل علي المدفع من خشبة النادي المرتجلة إلى الشاشة الفضية.
يعتبر “الضيف الغريب”، الذي أعده وأخرجه إبراهيم الحمدان، من أوائل أعماله التلفزيونية التي عرفه الجمهور من خلالها، تلا ذلك مشاركته الفارقة عام 1974 في مسلسل “فاعل خير”، والذي يُعد أول مسلسل سعودي يُبث بالألوان، مما فتح له آفاقًا واسعة في الدراما.
وبالتوازي مع التلفزيون، كان علي المدفع صوتًا مألوفًا في الإذاعة، فقدم برنامج “صور مسموعة”، كما أبدع في كتابة وتقديم برنامج “حوار قصير” الذي استمر بثه بنجاح لمدة 17 عامًا.
نجح علي المدفع في ترسيخ مكانته كأحد أعمدة الكوميديا والدراما السعودية من خلال مشاركاته في أعمال أيقونية، ويأتي المسلسل الرمضاني الشهير “طاش ما طاش” على رأس هذه الأعمال، حيث كان عنصرًا شبه دائم في معظم مواسمه.
ورغم بساطة أدواره في “طاش”، إلا أنها كانت تترك أثرًا كبيرًا؛ فهو لم يسعَ يومًا للبطولة المطلقة، بل كان يقدم شخصيات حقيقية تمثل “ضمير المشهد” أو “صوت الحكمة” المغلف بالسخرية اللطيفة، وهو ما جعله قيمة ثابتة في ذاكرة المشاهدين.
تنوعت أعماله لتشمل مسلسلات بارزة مثل “عودة عصويد”، “العولمة”، “بيني وبينك”، “غشمشم”، و”سيلفي”.
قدم علي المدفع عددًا من المسرحيات التي لا تزال في الذاكرة، منها “تحت الكراسي”، “حمود ومحيمد”، “درس خصوصي”، و”قطار الحظ”، كما أسس فرقة شعبية باسم “الكتاتيب” لتقديم الفلكلور، والتي يتولى رئاستها ابنه طارق.
تُظهر استمراريته في الفن إصرارًا لافتًا، فحين انضم إلى طاقم المسلسل الشبابي “شباب البومب” منذ عام 2012، كان بمثابة جسر يربط بين جيل الرواد وجيل الشباب.
ومما يُسجل له، أنه واصل أداء أدواره في “شباب البومب” لسنوات رغم فقدانه الجزئي للبصر، ليؤكد أن الموهبة الحقيقية تملك من البصيرة ما يعوض البصر.
تُوّجت هذه المسيرة الحافلة، التي تجاوزت الخمسين عامًا من العطاء، بتكريم مطلع عام 2024، حيث منحت الهيئة العامة للترفيه الفنان علي المدفع “جائزة الإنجاز مدى الحياة” ضمن حفل “Joy Awards” المرموق، الذي أُقيم في موسم الرياض، اعترافًا بإسهاماته الجليلة.














