خلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر يوم الثلاثاء، إلى أن إسرائيل ارتكبت أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وأن قادة بارزين في الدولة، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حرضوا بشكل مباشر على هذه الجرائم. وهي اتهامات وصفها الكيان المحتل بأنها “كاذبة ومشينة”.
التقرير، الذي جاء في 72 صفحة وبالتزامن مع وقت أعلنت فيه إسرائيل بدء عملية برية واسعة في مدينة غزة، استند إلى أدلة تشمل عمليات قتل جماعي، منع المساعدات الإنسانية، النزوح القسري، وتدمير منشآت طبية مثل عيادات الخصوبة. وهو ما دفع اللجنة للانضمام إلى أصوات متزايدة من منظمات حقوقية وعلماء مختصين سبق لهم أن اتهموا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
من جانبها، أكدت نافي بيلاي، القاضية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية ورئيسة اللجنة، خلال مؤتمر صحفي بجنيف أن ما يحدث في غزة يمثل “انهيارًا لوعد العالم بألا يتكرر ما جرى في الماضي”، واصفة ما يجري بأنه “فضيحة أخلاقية وأزمة قانونية كبرى”. وأشارت إلى أن الجرائم ارتُكبت بتوجيه مباشر من القيادة الإسرائيلية العليا وبنية مبيتة لتدمير المجتمع الفلسطيني في القطاع.
ردود فعل إسرائيلية غاضبة
هاجم السفير الإسرائيلي في جنيف دانييل ميرون التقرير ونعته بـ”الزائف”، متهمًا اللجنة بأنها أداة بيد حركة حماس، ومؤكدًا أن إسرائيل ترفض التعاون معها. وفي المقابل، ردت بيلاي بأنها تتمنى أن تقدم إسرائيل توضيحًا بشأن “المكان الذي أخطأ فيه التقرير”، بدلًا من الاكتفاء بالرفض. وعلى الرغم من أن اللجنة مستقلة ولا تمثل الموقف الرسمي للأمم المتحدة، فإن استنتاجاتها، الممتدة على 72 صفحة، تعد الأقوى حتى الآن. وحتى اللحظة لم تعتمد الأمم المتحدة مصطلح “الإبادة الجماعية” رسميًا، لكنها تواجه ضغوطًا متزايدة للقيام بذلك.
وتخوض إسرائيل معركة قضائية أمام محكمة العدل الدولية بعد أن رفعت جنوب إفريقيا قضية تتهمها بالإبادة الجماعية. وتقول إسرائيل إنها تدافع عن نفسها إثر هجمات 7 أكتوبر 2023، التي أدت – حسب بياناتها – إلى مقتل 1200 شخص وأسر 251 رهينة. لكن الحرب التي تلت تلك الهجمات أودت، وفق وزارة الصحة في غزة، بحياة أكثر من 64 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. كما يواجه مئات الآلاف خطر المجاعة بحسب تقارير أممية مستقلة.
الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي
تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 الإبادة الجماعية بأنها أفعال تُرتكب بقصد القضاء على جماعة قومية أو عرقية أو دينية كليًا أو جزئيًا. وحددت خمسة أنماط من الجرائم لتحقيق هذا الوصف. ووفق التقرير، فإن إسرائيل ارتكبت أربعة منها: القتل الجماعي، إلحاق الأذى الجسدي والنفسي، فرض ظروف معيشية تؤدي إلى التدمير، ومنع الولادات داخل المجتمع. كما اعتمد التحقيق على مقابلات مع شهود وضحايا وأطباء، إلى جانب صور أقمار صناعية ومواد مفتوحة المصدر تم التحقق منها.
وأشارت اللجنة إلى أن تصريحات كبار القادة الإسرائيليين – مثل نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت – تمثل “دليلًا مباشرًا على نية الإبادة”. واستشهدت برسائل نتنياهو إلى الجنود، التي قارن فيها العملية العسكرية بحروب “إبادة” في النصوص الدينية اليهودية. وقارنت بيلاي، التي ترأست سابقًا محكمة الأمم المتحدة لرواندا، الوضع في غزة بما جرى عام 1994، مؤكدة أن “تجريد الضحايا من إنسانيتهم ووصمهم بالحيوانات يفتح الباب لقتلهم دون وازع”.
كما وثّق التقرير حالات قصف لمنازل ومستشفيات ومدارس وحتى مناطق وُصفت بأنها آمنة. وأشار إلى استهداف مدنيين رفعوا الرايات البيضاء، بينهم أطفال أُطلق عليهم الرصاص مباشرة. كما أدان استخدام ذخائر واسعة النطاق رغم معرفة الجيش المسبقة بأنها ستؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا. كذلك اتهمت اللجنة إسرائيل بتسليح الحصار الغذائي والدوائي، وقطع الكهرباء والوقود، ما فاقم معاناة السكان. ورغم سماحها بدخول مساعدات محدودة، اعتبر التقرير ذلك “غطاءً لتضليل المجتمع الدولي”.
ووفق التقرير، كان الأطفال الأكثر تضررًا، حيث عانى الكثير منهم من الجوع وسوء التغذية، الأمر الذي أثر على نموهم العقلي واللغوي. وذكر التقرير أن منع إدخال الحليب الصناعي للأطفال شكّل “دليلًا قويًا على النية المسبقة لتدمير الشعب الفلسطيني”. كما تحدث عن جرائم عنف جنسي وتعذيب ارتكبها جنود إسرائيليون بحق محتجزين فلسطينيين، في إطار سياسة “إذلال جماعي”.
وفي الولايات المتحدة، صرّح عضوان في مجلس الشيوخ بأن حكومة نتنياهو “تنفذ خطة لتطهير غزة عرقيًا”، فيما اعتبرت أكبر جمعية علمية متخصصة في دراسات الإبادة الجماعية أن ما يجري في غزة يمثل جريمة مكتملة الأركان. منظمات إسرائيلية لحقوق الإنسان بدورها أصدرت بيانات مشابهة، وهي سابقة في الداخل الإسرائيلي.
أرقام صادمة من الداخل الإسرائيلي
من جانبه، قال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق هرتسي هاليفي إن أكثر من 10% من سكان غزة قُتلوا أو جُرحوا منذ بداية الحرب، أي ما يزيد عن 200 ألف إنسان. ورغم أن المسؤولين الإسرائيليين حاولوا مرارًا التشكيك في أرقام وزارة الصحة في غزة، فإن اعتراف هاليفي جاء قريبًا جدًا من إحصاءاتها الرسمية. وتم إنها التقرير بدعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لوقف ما وصفه بـ”الإبادة الجماعية الجارية في غزة”، مؤكدًا أن الواجب القانوني والأخلاقي والسياسي يلزم الدول بالتحرك العاجل لحماية الفلسطينيين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم.