تتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مع إعلان الأمم المتحدة تفشّي المجاعة، في وضع يرتبط بشكل مباشر بالحرب الجارية والقيود المشددة المفروضة على معابر غزة، التي تعد الممرات الوحيدة لدخول المساعدات وخروج الأفراد.
وعلى الرغم من وجود 7 معابر تحيط بالقطاع، فإن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2007 أبقى على معظمها مغلقًا، ثم فاقم الأزمة منذ الحرب الممتدة من 7 أكتوبر 2023، ليحوّل القطاع المحاصر إلى ما وصفته تقارير حقوقية بأكبر سجن مفتوح في العالم.
وبدأ هذا الواقع المأساوي فعليًا في يونيو 2007، عندما فرضت إسرائيل حصارًا خانقًا على القطاع ردًا على سيطرة حركة حماس عليه.
وتضمن الحصار سلسلة من القيود الصارمة على حركة البضائع والوقود والمواد الأساسية، بالإضافة إلى إغلاق شبه كامل للمعابر، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة في تقرير لها عام 2011 “عقابًا جماعيًا ينتهك القانون الدولي”، وبلغت الأزمة مستويات غير مسبوقة في 2025 مع سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال، وهكذا، أصبحت حياة أكثر من مليوني فلسطيني تعتمد كليًا على قرارات إسرائيلية بالفتح أو الإغلاق، مما يعرقل وصول المساعدات ويمنع المرضى وغيرهم من السفر.
ويُعد معبر بيت حانون (إيريز)، الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة شمال القطاع، البوابة الوحيدة التي تربط غزة بالضفة الغربية المحتلة، ولم يُسمح بعبوره قبل الحرب إلا لفئات محدودة جدًا مثل الحالات الإنسانية الحرجة والتجار، وبعد الحصول على تصاريح أمنية قد يستغرق استصدارها ما يصل إلى 50 يوم عمل، وغالبًا ما تُرفض دون إبداء أسباب واضحة.
أما معبر رفح جنوبًا، الذي كانت تسيطر عليه مصر قبل الحرب، فيمثل الرئة التي يتنفس بها القطاع على العالم العربي، لكنه كان يعمل بشكل متقطع وغير منتظم، ودائمًا ما اشتكى المسافرون من إجراءات أمنية مذلة وتكاليف باهظة غير رسمية لتسهيل عبورهم في رحلة قد تستغرق 72 ساعة للوصول إلى مطار القاهرة فقط.
وفي عصر ما قبل الحرب أيضًا، كان يقتصر دخول البضائع والمساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل على معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم)، الذي تسيطر عليه إسرائيل وتفرض عبره قائمة طويلة بالمواد “مزدوجة الاستخدام” الممنوع دخولها، والتي ترى أنها قد تستخدم لأغراض عسكرية.
وكان هذا المعبر في الأساس مخصصًا للمساعدات، ولكن تم تغيير استخدامه لاحقًا ليصبح الشريان التجاري الوحيد الذي بالكاد يبقي اقتصاد القطاع على قيد الحياة، مما جعل التحكم فيه أداة رئيسية في تشديد الحصار، وبشكل عام فإن آلية عمل معابر غزة حتى قبل الحرب ساهمت بشكل مباشر في ندرة الغذاء والدواء.
أما بقية معابر غزة، فقد أصبحت مجرد ذكرى في تاريخ القطاع، إذ أُغلق معبر المنطار (كارني)، الذي كان الأكبر تجاريًا، بشكل نهائي عام 2011، ولحقه معبرا العودة (صوفا) والشجاعية (ناحل عوز) المخصص للوقود، بينما تحول معبر القرارة (كيسوفيم) إلى نقطة عبور للدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية خلال عملياتها العسكرية داخل القطاع.
وبهذا الإغلاق الممنهج، تُرك سكان غزة قبل الحرب أمام خيارات محدودة، فإما الانتظار الطويل على أبواب معابر غزة القليلة العاملة، أو مواجهة مصيرهم داخل حصار يزداد إحكامًا يومًا بعد يوم، وفي المرحلة الحالية لا يجدون أي نافذة إلى العالم الخارجي.