تظهر أحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء أن صادرات السعودية غير البترولية تواصل تسجيل أرقام قياسية، مؤكدةً أن استراتيجية تنويع الاقتصاد التي تنتهجها المملكة، بعيدًا عن الاعتماد على النفط، بدأت تؤتي ثمارها بشكل وملموس.
وتكشف الأرقام الواردة في نشرة التجارة الدولية للمملكة للربع الثاني لعام 2025، الصادرة في أغسطس الجاري، عن نمو متصاعد في قيمة وحصة الصادرات غير البترولية من إجمالي الصادرات، ما يعكس تحولًا هيكليًا عميقًا في بنية الاقتصاد السعودي، ويتماشى مع المستهدفات الطموحة لرؤية 2030 التي تسعى إلى رفع نسبة الصادرات غير النفطية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى 50% بحلول عام 2030.
تشير البيانات أن الربع الثاني من عام 2025 شهد قفزة تاريخية، حيث بلغت قيمة الصادرات غير البترولية 87 مليار ريال، مشكّلة ما نسبته 32.1% من إجمالي الصادرات السعودية، وهي الأعلى على الإطلاق.
ويأتي هذا الأداء القوي استكمالًا لمسار نمو بدأ في مطلع عام 2023، حيث ارتفعت قيمة الصادرات من 67 مليار ريال في الربع الأول من ذلك العام، لتتجاوز حاجز الـ 80 مليار ريال لأول مرة في الربع الرابع من 2024، ثم تواصل صعودها بثبات.
ويمثّل هذا النمو المتواصل في صادرات السعودية غير البترولية انعكاسًا مباشرًا لنجاح المبادرات الحكومية الداعمة للقطاع الخاص، وتحديدًا قطاعي الصناعة والتعدين، اللذين يمثلان حجر الزاوية في برامج الرؤية.
وعملت المملكة خلال السنوات الماضية على تطوير بيئة الأعمال، وتقديم حوافز للمصنعين والمصدرين، وتسهيل وصول المنتجات الوطنية إلى أكثر من 150 دولة حول العالم، من خلال حلول تمويلية وتأمينية تقدمها الجهات الداعمة.
وتتركز هذه الصادرات بشكل كبير في قطاعات حيوية مثل الصناعات الكيماوية واللدائن والمعادن ومواد البناء، وهي قطاعات تشهد استثمارات ضخمة لتوسيع طاقتها الإنتاجية.
كما يتزامن هذا الإنجاز مع بيانات إيجابية أخرى تعكس متانة الاقتصاد غير النفطي، الذي سجل نموًا ملحوظًا خلال عام 2024، وأصبح يشكل 50% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة.
وتؤكد هذه الأرقام مجتمعةً أن الاقتصاد السعودي يسير بخطى واثقة نحو تحقيق استدامة مالية وتقليل الارتباط بتقلبات أسواق الطاقة العالمية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد مساهمة صادرات السعودية غير البترولية في الميزان التجاري لا يعزز فقط الإيرادات غير النفطية، بل يساهم أيضًا في خلق فرص عمل نوعية، وتوطين الصناعات، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة تبحث عن موطئ قدم في اقتصاد واعد ومستقر.
وينظر المراقبون الاقتصاديون إلى هذه النتائج باعتبارها شهادة على جدوى الإصلاحات الهيكلية التي شهدتها المملكة، فمع استمرار التقدم في المشاريع الكبرى وتطوير المناطق الاقتصادية الخاصة، يُتوقع أن تواصل صادرات السعودية غير البترولية مسارها التصاعدي، لتصبح لاعبًا رئيسيًا في تعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية ولوجستية مؤثرة على الساحة الدولية، وتحقيق الهدف الأسمى لرؤية 2030 في بناء اقتصاد مزدهر ومستدام للأجيال القادمة.