أدت الحرب المستمرة في أوكرانيا إلى إعادة رسم جذرية لخريطة الطاقة العالمية، حيث كشفت بيانات جديدة عن تحول هائل في وجهات صادرات روسيا من الوقود الأحفوري. فعلى الرغم من العقوبات الغربية المتعددة، لم تنجح الجهود في خنق الإيرادات الروسية، وذلك بفضل ظهور تحالف جديد من المشترين الذين استغلوا الوضع لصالحهم، مما دفع الولايات المتحدة إلى التلويح بسلاح اقتصادي جديد وأكثر خطورة.
وفي المشهد الجديد الذي فرضته الحرب، برزت الصين كأكبر مشترٍ منفرد للوقود الأحفوري الروسي، تليها الهند في المرتبة الثانية. وقد شهدت واردات الهند ارتفاعًا صاروخيًا منذ عام 2022، حيث انتهزت فرصة الحصول على النفط الروسي بأسعار مخفضة للغاية بعد أن تراجعت الأسواق الغربية عن شرائه. كما حلت تركيا في المرتبة الثالثة، مع زيادة حادة في مشترياتها مؤخرًا. وأدى هذا التوجه الشرقي إلى تعويض روسيا عن خسائرها في الأسواق الأوروبية، وأثبت أن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري لا يزال قوياً.
يحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الرابعة في قائمة المشترين، مما يعكس معضلة عميقة يواجهها. ففي حين نجحت الكتلة الأوروبية في تحقيق تخفيضات كبيرة في وارداتها خلال العام الأول بعد اندلاع الحرب، إلا أنها واجهت صعوبة بالغة في إحراز المزيد من التقدم منذ ذلك الحين، خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي الذي لا يزال يتدفق إلى دول مثل المجر وسلوفاكيا وفرنسا وبلجيكا. هذا الاعتماد المستمر، وإن كان منخفضًا، يظهر التحدي الهائل الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي في محاولته للتخلص من إرث طويل من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.
وأثبتت جولات العقوبات المتتالية عدم فعاليتها في تقليص عائدات روسيا من الوقود الأحفوري بشكل حاسم، ويرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين: الاعتماد العالمي على روسيا كأكبر مصدر للطاقة، والنهج الانتهازي الذي اتبعته الدول غير المنحازة. وأمام هذا الواقع، بدأت إدارة الرئيس ترامب في التلويح بخيار أكثر تطرفًا.
واقترح السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام فرض رسوم جمركية ثانوية باهظة على الدول التي تواصل شراء النفط الروسي، مهددًا بشكل صريح “بسحق اقتصادات” الهند والصين والبرازيل. وقد تبنى الرئيس ترامب هذا التهديد، وربطه مباشرة بمسار الحرب، حيث أعلن أن “رسومًا جمركية ثانوية” بنسبة 100% قد تدخل حيز التنفيذ ضد الدول التي تتاجر مع روسيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا في غضون 50 يومًا.
ويأتي هذا التهديد بعد خطوة مماثلة استهدفت مشتري النفط الفنزويلي، مما يشير إلى أن واشنطن مستعدة لاستخدام قوتها التجارية كسلاح في هذه المواجهة. إن مستقبل تدفقات الوقود الأحفوري الروسي لم يعد يعتمد فقط على ديناميكيات السوق، بل على نتيجة هذه المواجهة الاقتصادية عالية المخاطر التي أججتها نيران الحرب.