أسرار الذاكرة.. هكذا يختار الدماغ ما يتذكره!

نوفمبر ٢٨, ٢٠٢٥

شارك المقال

أسرار الذاكرة.. هكذا يختار الدماغ ما يتذكره!

كشفت دراسة نُشرت في 16 نوفمبر بمجلة "نيتشر" أن الدماغ لا يخزن الخبرات الجديدة بشكل عشوائي، بل يقوم بتحويلها تدريجيًا إلى ذكريات طويلة المدى من خلال شبكة معقدة من المناطق الدماغية. أثناء هذه العملية، تعمل نقاط تفتيش متعددة على تحديد أي الذكريات تستحق التعزيز والحفظ، وأيها يمكن أن تُنسى.

وتوضح بريا راجاسيثوباثي، رئيسة المختبر: "ما نختار تذكره هو عملية متطورة باستمرار، وليست مجرد تبديل لمفتاح تشغيل/إيقاف لمرة واحدة".

إعادة التفكير في نموذج الذاكرتين

لسنوات طويلة، ركز العلماء على لاعبين رئيسيين في الدماغ: الحصين، الذي يدعم الذاكرة قصيرة المدى، والقشرة المخية، التي يُعتقد أنها تحتفظ بالذكريات طويلة المدى. وكان يُفترض أن الذكريات طويلة المدى تتحكم فيها مفاتيح جزيئية تعمل بنظام تشغيل/إيقاف. تقول راجاسيثوباثي: "النماذج الحالية للذاكرة تضمنت جزيئات تشبه الترانزستور تعمل كمفاتيح تشغيل/إيقاف".

لكن مع مرور الوقت، أصبح واضحًا أن هذا النموذج لا يعكس تعقيد ثبات الذكريات، ولا يفسر لماذا تستمر بعض الذكريات لأسابيع فقط بينما تدوم الأخرى طوال الحياة.

الدور المركزي للمهاد

في عام 2023، حددت راجاسيثوباثي وزملاؤها مسارًا دماغيًا يربط بين الذكريات قصيرة وطويلة المدى، ويعد المهاد جزءًا أساسيًا منه. فهو لا يختار فقط الذكريات التي يجب الاحتفاظ بها، بل يوجّهها أيضًا إلى القشرة المخية لتثبيتها على المدى الطويل. تفتح هذه النتائج الباب لفهم أسئلة أساسية في أبحاث الذاكرة: ماذا يحدث للذكريات بعد التخزين قصير المدى في الحصين؟ وما هي الآليات الجزيئية التي تعزز الذكريات المهمة وتُهمل غير المهمة؟

لتوضيح هذه العملية، طوّر الفريق نموذجًا سلوكيًا باستخدام نظام واقع افتراضي مع الفئران، حيث شكّلوا ذكريات محددة. تقول راجاسيثوباثي: "من خلال تغيير عدد مرات تكرار بعض التجارب، استطعنا جعل الفئران تتذكر بعض الأشياء بشكل أفضل، ثم فحص الدماغ لمعرفة الآليات وراء ثبات الذاكرة."

لكن الربط وحده لم يكن كافيًا، لذا استخدم الفريق تقنية CRISPR للتلاعب بالجينات في المهاد والقشرة المخية. أظهرت النتائج أن تعطيل جزيئات معينة يؤثر على مدة بقاء الذاكرة، مع ملاحظة أن كل جزيء يتحكم في مدة مختلفة.

تشير النتائج إلى أن الذاكرة طويلة المدى لا تُحفظ بواسطة مفتاح جزيئي واحد، بل عبر سلسلة من "المؤقتات الجزيئية" المتتابعة. تعمل المؤقتات الأولية بسرعة وتزول بسرعة، ما يسمح بالنسيان السريع، بينما تعمل المؤقتات اللاحقة ببطء لتخلق ذكريات أكثر دوامًا. هذه العملية المتدرجة تمكن الدماغ من تعزيز الخبرات المهمة بينما تتلاشى غير المهمة.

حدد الفريق ثلاثة منظمات نسخية: Camta1 وTcf4 في المهاد، وAsh1l في القشرة الحزامية الأمامية. هذه الجزيئات ليست ضرورية لتشكيل الذاكرة مبدئيًا، لكنها حيوية للحفاظ عليها. يقترح النموذج أنه بعد تشكيل الذاكرة الأساسية في الحصين، يضمن Camta1 استمرارها مبدئيًا، ثم يتدخل Tcf4 للحفاظ على التماسك الخلوي، وأخيرًا يقوم Ash1l بإعادة تشكيل الكروماتين لتثبيت الذاكرة على المدى الطويل.

تقول راجاسيثوباثي: "ما لم تُعزز الذكريات عبر هذه المؤقتات، فأنت مُهيأ لنسيانها بسرعة." ومن المثير أن Ash1l ينتمي لعائلة بروتينات تساعد على حفظ الذاكرة في الجهاز المناعي والخلايا الأخرى، ما يوحي بأن الدماغ يستخدم آليات شائعة لدعم الذكريات على المدى الطويل.

توجيه الذكريات حول الدوائر الدماغية التالفة

تفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض المرتبطة بالذاكرة، مثل ألزهايمر. فقد يكون من الممكن توجيه الذكريات عبر مسارات بديلة لتجاوز المناطق التالفة، والاستفادة من الأجزاء السليمة في الدماغ. تركز الخطوات التالية للبحث على كيفية تشغيل المؤقتات الجزيئية المختلفة وما الذي يحدد مدة بقائها، مع دور مركزي للمهاد في اتخاذ هذه القرارات.

تخلص الدراسة إلى أن الدماغ يقوم بعملية دقيقة ومعقدة لتثبيت الذكريات طويلة المدى، تعتمد على تدرج زمني دقيق للمؤقتات الجزيئية، والتنسيق بين الحصين والمهاد والقشرة المخية، ما يوضح أن فهم حياة الذاكرة بعد تشكيلها الأولي ليس مجرد مفتاح واحد بل شبكة متكاملة ومعقدة.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech