بالنسبة للعديد من الأشخاص، يعد التوتر جزءاً من الحياة اليومية، في خضم متطلبات العمل العديدة والأسرة والضغوط اليومية الأخرى، التي يمكن أن تجعل المرء يشعر بالغضب أو الانزعاج أو القلق أو الإرهاق.
وفي حين أن هذه الأنواع من التحديات اليومية غالباً ما توصف بأنها أشكال خفيفة من التوتر، فإن الواقع هو أن بعض الأشخاص سيواجهونها في كثير من الأحيان وبشكل أكثر أهمية من غيرهم، علماً بأن هناك أدلة متزايدة تربط هذه الأشكال وغيرها من التوتر بالمشاكل الصحية المرتبطة بالقلب، بحسب ما تقول مجلة “تايم” في تقرير لها.
تنقل المجلة الأمريكية عن الدكتورة بيث كوهين، الباحثة في مجال الإجهاد وأستاذة الطب في جامعة كاليفورنيا، قولها إننا “نعلم من خلال العديد من الدراسات التي أجريت على مجموعات سكانية مختلفة أن الضغط العاطفي والنفسي يرتبط بزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة”.
وقد وجدت الأبحاث التي أجريت حول الإجهاد في مكان العمل أن الأشخاص الذين يتعرضون لضغوط منتظمة أو الذين يعملون لساعات طويلة هم أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 40% من نظرائهم، للإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية.
ولكن في حين يبدو أن التوتر هو عامل خطر رئيسي لمشاكل القلب، إلا أن هناك الكثير من الأمور المتعلقة بالعلاقة بين التوتر وصحة القلب والتي لا يزال الخبراء يقومون بفرزها. على سبيل المثال، ما مقدار التوتر الذي يعتبر أكثر من اللازم؟ تقول كوهين: “ليست كل المواقف الصعبة أو العصيبة غير صحية. فالإجهاد قصير المدى في مواقف معينة، مثل العمل على التغلب على صعوبة ما، قد يكون مفيداً في الواقع”.
إلى ذلك، هناك سؤال آخر عالق: هل التوتر نفسه يضر بالقلب، أم أن التوتر يؤدي إلى أشياء أخرى (التدخين، قلة النوم، النظام الغذائي غير الصحي) التي تسبب الجزء الأكبر من الضرر؟ هذه هي أنواع الأسئلة التي لم يجيب عليها العلم بشكل كامل، وفق “تايم”.
يتفاعل جسم الإنسان مع التوتر بطرق يمكن التنبؤ بها. يزداد ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، بينما يصبح التنفس سطحياً وسريعاً، كما تصبح العضلات متوترة وترتفع مستويات السكر في الدم، بالإضافة إلى زيادة اليقظة والانتباه.
ويحدث كل هذا لأن الهرمونات المرتبطة بالتوتر تنتشر في جميع أنحاء الدماغ والجسم، مما يزيد من نشاط الجهاز العصبي الودي (SNS) ويجهز الكائن الحي بأكمله للرد على أي تهديدات محتملة، إذ يؤثر التوتر على عمل كل عضو وجهاز في الجسم، بما في ذلك جهاز المناعة.
تقول “تايم” إن كل هذا طبيعي وصحي، إذ تم تكوين الجسم لإدارة الإجهاد، وعادةً ما يتعافى من فترات التوتر دون أي آثار سيئة باقية، وتضيف: “لكن في تلك المواقف التي يكون فيها الحدث الضاغط شديداً جداً، أو عندما يستمر التوتر لفترات طويلة من الزمن، قد تحدث تغيرات تهدد القلب”.
وتنقل المجلة عن الدكتور أمجد مكاريوس، طبيب القلب والأستاذ في كلية دونالد وباربرا زوكر قوله: “إن الزيادات في ضغط الدم، والتي يمكن أن تبدأ بسبب الإجهاد، ستؤدي إلى زيادة الضغط على جدران الأوعية الدموية، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى تلف القلب والأوعية الدموية”.
ويضيف: “من الصعب تحديد الطريقة الدقيقة التي يحدث بها الضرر، لكننا نعلم أن أحد المنتجات النهائية للتوتر هو الالتهاب”. في حين أن التوتر يؤدي عادة إلى زيادات مؤقتة في النشاط الالتهابي، إلا أن التوتر المزمن يمكن أن يؤدي إلى التهاب مستمر منخفض الدرجة. وقد تم ربط هذا النوع من الالتهاب المستمر بأمراض القلب، ولكن أيضاً بمرض السكري من النوع الثاني، والاكتئاب، وأمراض أخرى للعقل والجسم.
وفي حين أن الإجهاد يهدد القلب بطرق عديدة، يتفق الخبراء على أن حماية القلب من هذا الاعتداء قد تتطلب استراتيجية دفاعية متعددة الجوانب، منها العلاج النفسي الذي أظهر نتائج واعدة في الحد من التوتر والمخاطر المصاحبة له على القلب، ويوصي الخبراء الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من حالات الصحة العقلية المرتبطة بالتوتر، مثل القلق والاكتئاب ومشاكل النوم، بالذهاب إلى طبيب نفسي.
وفي الوقت نفسه، يقول بعض الخبراء إن العلاجات القائمة على الأدوية ليست هي الحل، على الأقل حتى الآن، ويعتبرون أن الوقاية هي الحل، عن طريق نمط حياة صحي يتضمن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي سليم، والنوم الجيد، وقضاء الوقت مع الأصدقاء، وهي كلها أمور يمكن أن تساعد الشخص على التعافي من التوتر وتقليل مخاطر تعرضه للإجهاد.
اقرأ أيضاً:
دراسة حديثة: النوم العميق يعزز صحة القلب
