لماذا لا تنخفض أسعار الشوكولاتة بعد هبوط الكاكاو؟

على الرغم من هبوط أسعار الكاكاو في الأسواق العالمية بنسبة تقارب نصف قيمتها خلال عام 2025، إلا أن شراء الشوكولاتة يشكل عبئًا على المستهلكين. فقد شهدت المادة الخام انخفاضًا غير مسبوق منذ ستينيات القرن الماضي، بعد أن سجلت أسعارها مستويات قياسية في العام السابق نتيجة ظروف الإنتاج الصعبة.

في 2024، ارتفعت تكلفة الكاكاو إلى حوالي 13 ألف دولار للطن نتيجة تفشي الأمراض وتقلبات الطقس في ساحل العاج وغانا، اللتين تنتجان أكثر من نصف كمية الكاكاو عالميًا. ومع تحسن توقعات المحاصيل وتراجع الطلب في الأسواق العالمية هذا العام، انخفضت الأسعار بشكل حاد، إلا أن هذا الانخفاض لم يترجم بعد إلى تخفيض أسعار منتجات الشوكولاتة على الرفوف.

انعكاس الانخفاض على السوق

يرى خبراء الصناعة أن المستهلكين قد لا يشعرون بتأثير انخفاض أسعار الكاكاو قبل النصف الثاني من العام المقبل. ويرجع ذلك إلى أن شركات الشوكولاتة غالبًا ما تشتري الكاكاو عبر عقود مستقبلية بأسعار ثابتة، مما يعني أن المخزون الحالي تم شراؤه بتكاليف مرتفعة، وبالتالي ستظل الأسعار مرتفعة لفترة. وأوضح محلل في شركة "ماركس جروب" بلندن أن "الأسعار التي تعتمد عليها شركات الشوكولاتة اليوم عالية جدًا، وستحتاج الصناعة وقتًا قبل أن يتم استهلاك المخزون القديم"، مما يفسر استمرار ارتفاع الأسعار رغم هبوط تكلفة المادة الخام.

ولمواجهة التذبذب في الأسعار، قامت العديد من شركات الشوكولاتة بتغيير وصفات منتجاتها، مثل تقليل نسبة الكاكاو، وتصغير حجم الألواح والحلويات، بهدف تقليل التكاليف دون التضحية بأرباحها. وقد يلاحظ المستهلكون أن بعض المنتجات المألوفة مثل "سيليبريشنز" أو "تيري أورانج" أصبحت أصغر حجمًا، وطعمها مختلف قليلًا، بينما ارتفعت أسعارها مقارنة بالعام السابق. وتعكس هذه التغييرات استراتيجيات الشركات لتقليل التكاليف مع الحفاظ على الأرباح.

وتعتمد بعض الشركات على استبدال المكونات المكلفة بأخرى أقل تكلفة، وهي ممارسة تعرف باسم "التوفير الذكي"، مما قد يؤدي أحيانًا إلى تعديل طعم المنتج الأساسي بشكل واضح. ففي المملكة المتحدة كمثال، يجب أن تحتوي شوكولاتة الحليب على نسبة لا تقل عن 20% من الكاكاو و20% من الحليب الصلب لتصنيفها كشوكولاتة حقيقية، وأي منتج أقل من ذلك يصنف على أنه "بنَكهة الشوكولاتة".

الجدل حول وصفات الشوكولاتة

في خضم هذا التذبذب، تغيرت بعض الوصفات بدرجة أثارت جدلًا بين المستهلكين، مثل شوكولاتة "كادبوري ديري ميلك"، إذ لاحظ بعض المتذوقين أن المنتج أصبح أقل دسمًا منذ استحواذ شركة مونديليز الأمريكية على العلامة في 2010. واستعرضت مؤثرة على تيك توك، نتيجة مراجعة مجموعة من منتجات شوكولاتة الحليب في المتاجر البريطانية، وخلصت إلى أن الطعم أصبح أقل حلاوة وأقل كثافة. بينما أكدت شركة مونديليز لـ "بي بي سي" أن محتوى الكاكاو والحليب لم يتغير، وأن أي تعديل في الوزن كان ضروريًا بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام.

وكشف تحليل بيانات شركات أبحاث السوق عن زيادة متوسط أسعار الشوكولاتة في المملكة المتحدة بنسبة 18% مقارنة بالعام الماضي، مع تقليص حجم بعض المنتجات، إذ تراجع وزن "كادبوري ديري ميلك" بنسبة 10%، وسعرها ارتفع من 1.86 إلى 2.75 جنيه إسترليني (+48%). فيما ارتفع سعر "مارس سيليبريشنز" من 4.25 إلى 6.11 جنيه إسترليني (+44%). وانخفض حجم "تيري أورانج" بنسبة 8%، بينما ارتفع السعر من 1.49 إلى 2.25 جنيه إسترليني (+51%).

وتجاوزت تكاليف الشوكولاتة ارتفاع سعر الكاكاو فقط، لتشمل أيضًا أسعار الحليب والأعلاف والوقود والأسمدة، بالإضافة إلى زيادة أجور العمال، وهو ما دفع بعض الشركات إلى خلط الزيوت النباتية لتعويض نسبة الدهون في المنتج النهائي. من ناحية أخرى أدت الظروف المناخية المتقلبة في مناطق الإنتاج الكبرى حول العالم إلى ضعف المحاصيل، ما ساهم في ارتفاع الأسعار، بينما يحتاج انعكاس هذه التغيرات على الأسعار النهائية للمنتجات فترة قد تصل إلى 18 شهرًا.

وفي الوقت الذي تحدث فيه تلك التغييرات، بات المستهلكون أكثر وعيًا بالتغيرات في الحجم وجودة المنتج، إلا أن ذلك لا يمنع شعورهم بالاستياء من ارتفاع الأسعار. ووفقًا لرينا سيوراز، محررة قسم التجزئة في منظمة "ويتش؟"، فإن تقليص حجم المنتج أو تعديل المكونات قد يترك انطباعًا سلبيًا لدى المشترين، خصوصًا في موسم الأعياد.