تشكّل مخاطر الكريبتو المتعددة والمترابطة تحديًا متناميًا في النظام المالي العالمي، حيث تزايدت شعبية العملات الرقمية كأداة استثمارية، لكن أسواقها تظل عرضة لعدم العقلانية والفقاعات المضاربية والتلاعب والاحتيال على نطاق واسع.
ويشير الخبراء أن المشكلات المتعلقة بالتسعير والتقييم تنشأ تحديدًا لأن العملة المشفرة ليس لها قيمة جوهرية.
ويظهر أن العملة المشفرة، كعملة رقمية أو افتراضية، تُستخدم كوسيلة للدفع أو كاستثمار، إلا أن جاذبيتها في تحقيق أرباح سريعة يقابلها مخاطر عالية واحتيال.
ويُعزى هذا الضعف جزئيًا إلى التحرر الكبير لهذه الأسواق من التنظيم، وهو ما يزيد من حدة مخاطر الكريبتو.
الفقاعات والمضاربات في مقدمة مخاطر الكريبتو
يشير غياب القيمة الجوهرية للعملات المشفرة إلى مشكلة أساسية في التقييم اليومي، وهو ما يؤدي إلى انعكاس العلاقة التقليدية بين العرض والطلب.
في الأصول المالية التقليدية، إذا انخفض سعر الأصل عن قيمته الجوهرية، فإن الطلب يرتفع والعرض ينخفض، مما يساعد على استقرار الأسعار، لكن في حالة العملات المشفرة، إذا ارتفع السعر وتوقع المستثمرون استمرار الارتفاع، فإن الطلب يرتفع أيضًا مع ارتفاع السعر بسبب غريزة القطيع، كما ينخفض العرض بسبب تردد المستثمرين في البيع.
وتعد هذه العوامل تربة خصبة لظهور "الفقاعات المضاربية" وهي ارتفاعات سعرية حادة تليها انهيار.
ويشبه هذا السلوك ما جاء في نظرية "الأحمق الأكبر"، حيث لا يُقيّم المستثمر الأصل بناءً على قيمته الجوهرية، بل بناءً على ما يعتقد أن الآخرين سيُقيّمونه به.
ويطلق على اللحظة التي يتهاوى فيها السوق اسم "لحظة مينسكي"، حيث تتلاشى التوقعات غير المبررة ويبدأ الذعر والنفور.
وتظهر البيانات التجريبية، كما حدث في الفترة الممتدة حتى أكتوبر 2018، أن العملات الرئيسية مثل البيتكوين والإيثيريوم عاشت فقاعة مضاربية كلاسيكية بلغت ذروتها في ديسمبر 2017، ويؤكد هذا أن التقلب العالي في الأسعار يُعدّ من أبرز مخاطر الكريبتو.
مخاوف من التلاعب والاحتيال
ينتج عن غياب التنظيم وضعف المساءلة زيادة كبيرة في احتمالية التلاعب والاحتيال في أسواق العملات المشفرة.
وتعد عمليات "الضخ والتفريغ" مثالًا صارخًا على هذا التلاعب، وفي هذه المخططات، يقوم المروجون برفع سعر عملة ما بشكل مصطنع لإحداث جنون مضاربي، ثم يقومون ببيع حصصهم بأسعار مبالغ فيها.
ويستخدم منظمو هذه المخططات علنًا وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع المشاركين على الشراء السريع، مما يثير "الخوف من تفويت الفرصة".
وبمجرد أن يبيع المنظمون حصصهم، فإن سعر العملة ينهار، وتُعتبر مثل هذه المخططات غير قانونية في أسواق الأوراق المالية المنظمة.
كما توجد أدلة على التلاعب الممنهج على مستويات أعلى، مثل ما أشار إليه الباحثون حول استخدام عملات "Tethers" لدعم سعر البيتكوين.
إضافة إلى ذلك، يتم التلاعب ببيانات حجم التداول المُعلن عنها لإضافة مصداقية إلى العملة المشفرة أو المنصة.
ويستخدم ما يعرف بـ "البوتات" الخبيثة في الأسواق لتنفيذ قرارات تداول لإحداث تلاعب.
وتعد ممارسات مثل "الخداع"بمعنى " فبركة أوامر بيع أو شراء وإلغائها لخلق انطباع بوجود طلب أو عرض زائف"، شائعة في هذا السوق، ما يبين أن المخاطر السوقية جزء أصيل من مخاطر الكريبتو غير المنظمة.
الخطر السيبراني وغياب المساءلة
تشكل الأضرار السيبرانية المحتملة وعدم المساءلة بعدًا حاسمًا في مخاطر الكريبتو، فبالرغم من الأهمية الكبيرة التي تُمنح لأمان البلوك تشين، إلا أن حجم وسرقة العملات المشفرة من حيث التكرار والحجم هو أمر غير متوقع ولا يمكن تحمله في الأسواق المالية الخاضعة للرقابة، فقد تعرضت العملات المشفرة لأكثر من 40 عملية سرقة، بعضها تجاوز مليون دولار أمريكي.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك سرقة عملات بقيمة 380 مليون جنيه إسترليني من منصة "Coincheck" اليابانية في يناير 2018، وسرقة عملات بقيمة 400 مليون دولار أمريكي من منصة "Mt Gox" في عام 2014.
ويذكر أن العملات المسروقة غالبًا ما تُحفظ في "محافظ ساخنة" متصلة بالإنترنت، مما يزيد من تعرضها للاختراق، كما أن استخدام العملات المشفرة في أنشطة غير مشروعة، مثل غسيل الأموال والتهرب الضريبي وأعمال الدعارة، يُعدّ من السلبيات التي تترتب على مخاطر الكريبتو.
إمكانية للاحتيال والتضليل
تتفاقم مخاطر الكريبتو بسبب نقص المعلومات المتاحة للمستثمرين حول العملات الافتراضية وصعوبة فهم مخاطرها، فغالبًا ما ينجذب الضحايا إلى وعود بتحقيق أرباح كبيرة وغير واقعية من خلال أنظمة تداول فريدة.
وتشمل عمليات الاحتيال أيضًا مخططات "بونزي"، إذ تظهر الدراسات أن أغلبية العروض الأولية للعملات كانت "عمليات احتيال".
وكشف استطلاع أجرته "وول ستريت جورنال" في مايو 2018 أن حوالي خمس العروض الأولية للعملات تحتوي على "علامات حمراء"، مثل تزوير وثائق المستثمرين، أو الوعود بعوائد مضمونة، أو وجود فرق تنفيذ وهمية.
كما أن بعض منصات التداول تضلل المستثمرين عن طريق الإبلاغ عن حجم تداول غير صحيح، ولهذه الأسباب، يجب على المستثمر أن يدرك أن مخاطر الكريبتو تتطلب مستوى عالٍ من الوعي والحذر، وأن الحماية تتم عبر الاستثمار فقط فيما يمكن تحمل خسارته.












