في فبراير 2025، عاد الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة إلى دائرة الضوء عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة على الصين وكندا والمكسيك، في خطوة أعادت توتر العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن إلى مستويات غير مسبوقة، ومنذ ذلك الحين، تحولت العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم إلى تبادل متصاعد للرسوم الجمركية، أحيانًا بلغت مستويات ثلاثية الأرقام، في لعبة انتقامية تتجاوز الاتفاقيات التقليدية.
لكن المشهد شهد تغيرًا نسبيًا الأسبوع الماضي، حين التقى ترامب والرئيس الصيني شي جينبينج في كوريا الجنوبية لمناقشة التجارة وقضايا أخرى. ووفقًا للبيانات، اتفق ترامب على تخفيض الرسوم الجمركية على السلع الصينية بنسبة 10% مقابل التزام بكين بالتصدي لتدفق مادة الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، ليظل المعدل الفعلي للرسوم عند نحو 47% على السلع الصينية المتجهة إلى السوق الأمريكية.
توازن جديد في التجارة الصينية–الأمريكية
تشير البيانات إلى أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة كانت تتراجع قبل حتى دخول ترامب فترته الثانية، وتسارعت هذه التراجعات خلال الأشهر الماضية. ففي سبتمبر، بلغت الصادرات إلى الولايات المتحدة 34.3 مليار دولار، مقارنة بـ47 مليار دولار في نفس الشهر من العام الماضي، مسجلة انخفاضًا نسبته 27%.
غير أن هذا الانخفاض لم يكن انعكاسًا شاملًا لأداء الاقتصاد الصيني، فالصادرات الإجمالية للصين سجلت ارتفاعًا بنسبة 6.1% هذا العام، مع زيادة قدرها 8.3% في سبتمبر مقارنة بالعام الماضي، مدفوعةً بارتفاع الصادرات إلى أسواق أخرى خارج الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، عمدت بكين إلى تنويع وارداتها والبحث عن بدائل للسلع الأمريكية.
ساحة الصراع الجديدة
شكلت السلع الأساسية مثل فول الصويا واللحوم محورًا مهمًا في المفاوضات التجارية. على سبيل المثال، لم تستورد الصين أي فول صويا من الولايات المتحدة في سبتمبر لأول مرة منذ سنوات، مفضلةً بدائل من البرازيل والأرجنتين، حيث زادت شحنات فول الصويا إلى الصين بعد تعليق الأرجنتين مؤقتًا ضريبة تصدير الفول، ما دفع بكين لشراء نحو 1.2 مليون طن متري.
وفي وقت مبكر من الأسبوع الجاري، ارتفعت عقود فول الصويا المستقبلية في شيكاغو قبل الاجتماع بين شي وترامب، الذي أسفر عن اتفاق لشراء 12 مليون طن هذا الموسم، والتزام صيني بشراء 25 مليون طن سنويًا خلال الثلاث سنوات القادمة، بحسب تصريح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت.
أما لحوم الأبقار الأمريكية، فشهدت تراجعًا واضحًا أيضًا. من يناير إلى يوليو 2025، اشترت الصين لحومًا أمريكية بقيمة 481 مليون دولار، ما يمثل 8% من صادرات الولايات المتحدة من اللحم، بانخفاض نسبته 47% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي سبتمبر، انخفضت واردات الصين من اللحوم الأمريكية إلى 11 مليون دولار، بانخفاض نسبته 90% عن سبتمبر 2024، مع تعويض الفجوة بالشراء من أستراليا والأرجنتين بعد فشل تجديد العقود الأمريكية.
وبينما تظهر البيانات الرسمية صعودًا عامًا للصادرات الصينية وزيادة التنويع في الأسواق، يبرز المشهد المفارقة الكبرى: تراجع كبير في التجارة المباشرة مع الولايات المتحدة، أكبر شريك تجاري تقليدي للصين، من دون أن تؤثر هذه الانخفاضات على الأداء العام للصادرات الصينية. هذه الديناميكية تكشف عن قدرة الصين على التكيف والبحث عن بدائل، ما يطرح علامات استفهام حول حجم تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد الصيني مقارنة بالاقتصاد الأمريكي.














