قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنازلًا كبيرًا في إطار اتفاقه مع نظيره الصيني شي جين بينغ، الذي تم الإعلان عنه يوم الخميس، حيث وافق على خفض الرسوم الجمركية بنسبة 10% على الواردات الصينية، مقابل تعهد بكين باتخاذ إجراءات مشددة للحد من إنتاج وتصدير مادة الفنتانيل.
مكاسب للصين
ووفقًا لتقرير شبكةCNN ، تبدو الصفقة واعدة وقد تُسهم في إحياء جزء من حركة التجارة التي أعاقتها الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم. فمن المقرر أن يؤدي الخفض الجديد إلى تراجع الحد الأدنى للرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 20%، بينما ينخفض متوسط المعدل إلى نحو 47%.
ورغم أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة مقارنةً بشركاء الولايات المتحدة التجاريين الآخرين، فإنها تمثل خطوة نحو مواءمة الرسوم الأمريكية مع المستويات العالمية. وقد يُخفف ذلك من أثر الرسوم على المستهلكين الأمريكيين، ويتيح للمنتجات الصينية العودة إلى السوق الأمريكية بعد القيود التي فرضتها الرسوم الجمركية المرتفعة في عهد ترامب.
مخاطرة لإدراة ترامب
يمثل خفض الرسوم الجمركية خطوة محفوفة بالمخاطر لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تواجه تحديًا متزايدًا في حربها التجارية غير المسبوقة مع الصين، إذ يبدو أن الرئيس الصيني شي جين بينغ نجح في التفوق على ترامب في كل محطة تفاوضية. وحتى لقاؤهما الأخير يوم الخميس يُنظر إليه على أنه إشارة إلى رضوخ واشنطن جزئيًا لمطالب بكين.
وبحسب مراقبين، لا تزال الشكوك قائمة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحقق مكاسب ملموسة من هذا التنازل المتعلق برسوم الفنتانيل، خاصة في ظل تجارب سابقة أظهرت محدودية نتائج مثل هذه الصفقات.
في المقابل، يُخاطر ترامب بمزيد من التوتر في علاقات بلاده مع حلفائها التقليديين بينما يسعى إلى تحسين العلاقات مع خصمها الاقتصادي الأكبر. ويراهن ترامب على أن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة، إلا أن التاريخ يوحي بعكس ذلك.
العلاقات الأمريكية الصينية
سعى ترامب من خلال الرسوم الجمركية المفروضة على الصين إلى تحقيق أربع نتائج رئيسية: الحد من تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، وتشجيع عودة التصنيع إلى الأراضي الأمريكية، وتحقيق توازن في الميزان التجاري، إلى جانب التوصل لاتفاق بشأن بيع أصول “تيك توك” داخل الولايات المتحدة.
وأظهرت الإدارة الأمريكية تقدمًا ملموسًا في هذه الملفات الأربعة، إذ أعلنت الصين اتخاذ إجراءات صارمة للحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل، فيما أبدت عشرات الشركات التزامها بضخ مليارات الدولارات في مشاريع التصنيع الأمريكية. كما تراجع العجز التجاري بين واشنطن وبكين إلى أدنى مستوى له منذ 21 عامًا في أغسطس الماضي، بينما توصل ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إطار عمل لاتفاقية تخص “تيك توك”.
غير أن التوتر في العلاقات بين واشنطن وبكين تسبب في تداعيات سلبية كبيرة على الولايات المتحدة، إذ قيدت الصين تصدير المعادن الأرضية النادرة التي تُعد عنصرًا حيويًا في الصناعات الإلكترونية والعسكرية، كما أوقفت شراء فول الصويا الأمريكي، ما ألحق أضرارًا مباشرة بالمزارعين الأمريكيين.
إضافة إلى ذلك، واجهت شركات أمريكية كبرى تضييقًا من السلطات الصينية عبر إطلاق تحقيقات لمكافحة الاحتكار، في حين فرضت بكين تعريفات جمركية مرتفعة على السلع الأمريكية.
وعلى الرغم من عقد جولات متعددة من المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والصيني، فإن بكين واصلت التراجع عن تعهداتها السابقة لإدارة ترامب، خاصة في ما يتعلق بملف المعادن الأرضية النادرة الذي تحول إلى نقطة خلاف رئيسية بين الطرفين.
ولم تتحقق الوعود بإنشاء سوق مزدهر ومستقر لتلك المعادن، بل على العكس، قامت الصين بتشديد ضوابطها وتوسيع نطاق القيود على تصديرها في وقت سابق من الشهر الجاري، ما زاد من حدة التوتر التجاري بين البلدين.
ما وراء الاتفاق التاريخي ؟
وبموجب الاتفاق الذي أُعلن يوم الخميس، وافقت الصين على إلغاء القيود الجديدة التي فرضتها مؤخرًا على صادرات المعادن النادرة، رغم أن بعض القيود الأصلية التي أُعلنت في أبريل لا تزال سارية حتى الآن.
وفي المقابل، لا يزال مستقبل تطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة غير واضح بعد عدة جولات من المحادثات التجارية بين واشنطن وبكين، إذ لم تؤكد الصين التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن التطبيق عقب اجتماع الرئيسين شي جين بينغ ودونالد ترامب، مكتفية بالتعهد بمواصلة العمل مع الجانب الأمريكي لمعالجة القضية بشكل مناسب.
أقرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الصين لم تفِ بالتزاماتها السابقة، مشيرًا في نوفمبر 2024 إلى رفع الرسوم الجمركية بسبب أزمة الفنتانيل، ما يثير التساؤل: لماذا يبرم ترامب صفقة جديدة مع بكين رغم استمرار تراجعها عن وعودها؟
اتخذت الصين خطوات ملموسة للحد من تجارة الفنتانيل، إذ أضافت خلال الصيف عنصرين جديدين من المواد المستخدمة في تصنيعه إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة، ثم تحركت سريعًا لمنع تصديرهما عندما لجأت الشبكات الإجرامية إلى بيعها في السوق السوداء.
وأشار ترامب يوم الخميس إلى أن “الإجراءات الصارمة للغاية” التي اتخذتها الصين لمكافحة تجارة الفنتانيل كانت السبب وراء قراره خفض الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية.
أما الأمر الثاني هو الصين لا تزال تمتلك نفوذًا قويًا على الولايات المتحدة. فقد أدت رسوم ترامب الجمركية إلى نتائج عكسية، إذ أثارت استياء المزارعين الأمريكيين الذين يُشكلون قاعدة انتخابية مهمة له، وتسببت في نقص حاد بالمعادن النادرة. كما رفضت بكين فتح أسواقها أمام رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية، وهو أحد الأهداف الرئيسة التي يسعى ترامب لتحقيقها لتعزيز تفوق الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
تظل الرسوم الجمركية ورقة ضغط أساسية بيد ترامب، رغم أن الأسواق العالمية خففت من تأثيرها. ومع ذلك، يُعد خفض الرسوم مطلبًا صينيًا رئيسيًا، كما كان اجتماع ترامب وشي جزءًا من هذا المسار التفاوضي.
وبعد إعلان ترامب خفض الرسوم إلى النصف، قالت الصين في بيان مقتضب إنها ستُجري “تعديلات مقابلة” على إجراءاتها المرتبطة بالفنتانيل، ما يعكس تبادلاً محسوبًا للتنازلات بين الجانبين.
قد يُخفف خفض الرسوم الجمركية من الضغوط التضخمية على المستهلكين الأمريكيين، لكنه يُثير قلق حلفاء واشنطن، خاصة المكسيك وكندا، اللتين تواجهان تهديدات بزيادة الرسوم في الوقت الذي تُمنح فيه الصين معاملة تفضيلية.
وبينما قد يُحسّن الاتفاق علاقة أمريكا مع خصمها الاقتصادي الأكبر، فإنه يُخاطر بتوتير علاقاتها مع أقرب شركائها التجاريين.
اقرأ أيضًا:
أمريكا والصين تتفقان على إطار تجاري قبل لقاء “ترامب” و”شي” المرتقب
لماذا يسعى ترامب لتقويض هيمنة الصين على المعادن النادرة؟
ترامب يهدد الصين.. لماذا قد تتجدد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين؟














