شهدت أسعار كلًا من الذهب والفضة تراجعًا حادًا يُعد الأكبر منذ عدة سنوات، بعد توقف موجة الصعود اللافتة التي سيطرت على سوق المعادن الثمينة في الفترة الأخيرة. وهبط سعر الذهب في السوق الفورية بنسبة تقارب 6.3% ليصل إلى ما دون 4100 دولار للأونصة، وهو الانخفاض اليومي الأبرز منذ عام 2013. كما انخفضت الفضة بأكثر من 8%، مسجلةً أكبر خسارة لها منذ عام 2021.
وجاء هذا التراجع متأثرًا بانخفاض حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وارتفاع الدولار الأميركي، إلى جانب مؤشرات فنية أظهرت وصول الأسعار إلى حالة من التشبع الشرائي. وكتب ديفيد موريسون، كبير محللي الأسواق في شركة تريد نيشن، في مذكرة يوم الثلاثاء قائلًا إن الذهب حاول مرارًا تجاوز مستوى 4400 دولار منذ يوم الخميس الماضي، لكنه فشل في كل محاولة بسبب مقاومة قوية.
وأضاف موريسون أن التساؤل المطروح الآن هو ما إذا كان هذا التراجع يمثل بداية تصحيح سعري طال انتظاره بعد الارتفاعات الكبيرة التي حققها المعدن الأصفر خلال العام الجاري. وأوضح أن أول مستوى دعم مهم يقع عند حدود 4000 دولار للأونصة، لكنه أشار أيضًا إلى احتمال أن يقتصر الهبوط عند هذا الحد، على أن يعاود المشترون الظهور مجددًا قرب 4200 دولار.
كان المستثمرون قد استغلوا تراجع الأسعار يوم الجمعة الماضي، حينما هبط الذهب مؤقتًا بأكثر من 1.5%، وهو ما اعتُبر آنذاك تصحيحًا طفيفًا وسط موجة الصعود القياسية التي دفعت أسعار المعادن الثمينة والأسهم إلى مستويات قياسية في أكتوبر. وقال توم إيساي، مؤسس شركة سيفينز ريبورت ريسيرش، لموقع ياهو فاينانس يوم الثلاثاء: “ما حدث لا يعدو كونه عثرة بسيطة في مسار الارتفاع”.
وأضاف: “العوامل الأساسية لا تزال داعمة للذهب – فمعدلات التضخم مرتفعة، وأسعار الفائدة الحقيقية منخفضة، والمخاطر الجيوسياسية مستمرة، فضلًا عن اضطرابات الأداء الحكومي في الولايات المتحدة، وجميعها تمنح الذهب زخماً إضافيًا”. ومنذ منتصف أغسطس، ارتفع سعر الذهب بنحو 28%، مدفوعًا بمشتريات قوية من البنوك المركزية وتدفقات كبيرة إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب، حيث لجأ المستثمرون إلى المعدن النفيس كوسيلة تحوط ضد التوترات التجارية وتراجع الثقة بالعملات الورقية.
وقالت ميشيل شنايدر، كبيرة الاستراتيجيين في Marketgauge.com، في تصريحات لموقع “ياهو فاينانس”: “العامل الوحيد القادر على كسر موجة ارتفاع الذهب هو خفض حقيقي في الديون العالمية وتحقيق سلام شامل وهما أمران لم يتحققا بعد”. ورغم التراجع الأخير، ما زال التفاؤل يسود وول ستريت بشأن مستقبل الذهب خلال العام القادم. فقد أعاد محللو بنك أوف أميركا التأكيد على توصيتهم بشراء الذهب على المدى الطويل، متوقعين أن يبلغ سعر الأونصة 6000 دولار بحلول منتصف عام 2026.
وفي الاتجاه نفسه، رفع جولدمان ساكس توقعاته لسعر الذهب من 4300 إلى 4900 دولار للأونصة بنهاية العام المقبل، بينما يتوقع محللو جي بي مورجان أن يصل المعدن الأصفر إلى مستوى 6000 دولار للأونصة بحلول عام 2029.
وخلال الشهرين الماضيين فقط، ارتفعت الأسعار بنسبة 25% مدفوعة بزيادة الطلب في ظل ارتفاع الدين الأميركي، والتقلبات السياسية، والتوقعات بخفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي. غير أن تفاؤل الأسواق بشأن تحسن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين، إلى جانب قوة الدولار، دفع المستثمرين إلى بيع جزء من حيازاتهم لجني الأرباح.
ومن المنتظر أن يجتمع المفاوضون التجاريون من الجانبين في وقت لاحق من الأسبوع قبل اللقاء المرتقب بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب الأسبوع المقبل. وقال ترامب يوم الاثنين: “أعتقد أننا سنتمكن من التوصل إلى اتفاق عادل وجيد للغاية مع الرئيس شي جين بينغ”. كما أشار المحللون إلى أن انتهاء مهرجان ديوالي في الهند، وهي ثاني أكبر دولة مستهلكة للذهب في العالم، ساهم في انخفاض الطلب الفعلي على المعدن النفيس، مما زاد من حدة التراجع الأخير في الأسعار.
اقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| المملكة تتصدر الدول العربية في احتياطيات الذهب
مسار سعر أونصة الذهب نحو قمة 5000 دولار
فوق 4 آلاف دولار.. سعر الذهب يحطم الأرقام القياسية