سجّل سعر الذهب يوم الأربعاء قفزة تاريخية هي الأولى من نوعها على الإطلاق، متجاوزًا حاجز 4000 دولار للأوقية، في اندفاع استثنائي للمستثمرين نحو الملاذات الآمنة للتحوط من اضطرابات جيوسياسية واقتصادية عالمية متصاعدة، وتزامنًا مع رهانات متزايدة على خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
سعر الذهب اليوم
ارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 1.4% ليصل إلى 4,039.10 دولار للأوقية بحلول الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش، أي 10:20 بتوقيت السعودية، فيما صعدت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 1.4% أيضًا مسجلةً 4,061.80 دولار.
وينظر إلى المعدن الأصفر تقليديًا على أنه مخزن للقيمة في أوقات عدم الاستقرار، وهو ما يفسر صعوده المذهل بنحو 54% منذ بداية العام الحالي، بعد أن كان قد حقق مكاسب بنسبة 27% في عام 2024، ليصبح بذلك أحد أفضل الأصول أداءً في عام 2025، متفوقًا على أسواق الأسهم العالمية وبيتكوين، وفي مقابل تراجع الدولار الأمريكي وأسعار النفط الخام.
ويقف وراء هذا الارتفاع الصاروخي مزيج معقد من العوامل، تبدأ من توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية، مرورًا بحالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي المستمرة، وصولًا إلى المشتريات القوية من قبل البنوك المركزية، والتدفقات النقدية المتزايدة إلى الصناديق المتداولة في البورصة المدعومة بالذهب، فضلًا عن ضعف أداء الدولار.
وفي هذا السياق، تقول المحللة في “ستونكس”، رونا أوكونيل: “العوامل الأساسية لم تتغير كثيرًا فيما يتعلق بالشكوك الجيوسياسية، لكن أُضيفت إليها نكهة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة”، مضيفة أن هذا الإغلاق “لا يعيق أسواق الأسهم القوية، ولكنه يدفع حتمًا نحو تخفيف المخاطر عبر السبائك”.
ويلقي الإغلاق الحكومي الأمريكي، الذي دخل يومه الثامن، بظلاله على الأسواق عبر تأخير إصدار بيانات اقتصادية رئيسية، مما يجبر المستثمرين على الاعتماد على مصادر غير حكومية لتقييم توقيت ونطاق تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وتسعّر الأسواق حاليًا خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي المقبل، مع توقعات بخفض مماثل في ديسمبر، وهو ما يعزز جاذبية الذهب الذي لا يدر عائدًا.
كما ساهمت الأزمات العالمية، بما في ذلك الصراع في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، في زيادة الطلب على السبائك، بينما أدت الاضطرابات السياسية الداخلية في فرنسا واليابان إلى تضخيم موجة الاندفاع نحو أصول الملاذ الآمن، وهو ما دعم سعر الذهب بشكل مباشر.
ماذا بعد في سوق الذهب؟
بحسب ديفيد ويلسون، المحلل في “بي إن بي باريبا”، فإنه “في أي عام عادي، تجد دافعاًًأو اثنين للمخاطر يحرّكان سعر الذهب، لكن الآن، كل ما يمكن اعتباره محركًا تقليديًا للذهب يحدث في وقت واحد”.
ويلعب المستثمرون المؤسساتيون والبنوك المركزية دورًا محوريًا في هذا الصعود؛ إذ يشير مايكل هسوه، محلل المعادن النفيسة في “دويتشه بنك”، إلى أن التراكم المتجدد للاستثمارات في الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب في الأسواق المتقدمة، وذلك للمرة الأولى منذ 5 سنوات، هو أحد العوامل الرئيسية التي تعزز هذا الارتفاع.
وتتوقع شركة “ميتالز فوكس” الاستشارية أن تشتري البنوك المركزية حول العالم ما يصل إلى 1000 طن متري من الذهب في عام 2025، ليكون العام الرابع على التوالي من المشتريات الضخمة، في إطار سعيها لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الأصول المقومة بالدولار، مما يوفر أرضية صلبة لاستمرار ارتفاع سعر الذهب.
ويتوقع محللون أن يستمر الدعم لأسعار الذهب حتى عام 2026، بفضل التدفقات القوية المتوقعة إلى الصناديق المتداولة، واستمرار مشتريات البنوك المركزية، وانخفاض أسعار الفائدة الأمريكية، وهو ما دفع بنوكًا كبرى مثل “غولدمان ساكس” و”يو بي إس” إلى رفع توقعاتها للأسعار.
ويؤكد نيتيش شاه، استراتيجي السلع في “ويزدوم تري”، هذا الاتجاه قائلاً: “كنا نتوقع أن يصل سعر الذهب إلى مستوى 4000 دولار مع اقتراب نهاية العام، لكن اتجاه الحركة يظل متسقًا مع نظرتنا الأوسع”، مجدداً تأكيده على توقعات وصول الأسعار إلى 4,530 دولار للأوقية بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2026.














