logo alelm
هوس الماتشا يستنزف الإمدادات العالمية ويرفع الأسعار وسط موجات حر وجمارك أمريكية

في مطبخ أحد المقاهي بطوكيو، تنهمر نقاط الشاي الأخضر السميك في كوب بلاستيكي ببطء طقسي، وكأنها تقاوم الانزلاق. لكن خلف هذا المشهد البسيط، تختبئ مفارقة كبرى، حيث إن الشاي الأكثر شهرة في اليابان بات مهددًا بالنفاد، لا من قلة المحبة، بل من فرط الهوس.

في عالم لم يعد يكتفي بالكافيين المألوف، يزدهر «الماتشا» كبديل صحي وراقٍ، فقد أصبح مشروبًا يعتلي قوائم المقاهي الفاخرة، وذو حضور ثابت في منشورات تيك توك وانستجرام، بل وتحول إلى عنصر لزينة الدونات والآيس كريم. وبينما تسوّق العلامات الكبرى مثل «ستاربكس» و«كريسبي كريم» هذا الشاي الأخضر الياباني كبضاعة عصرية، تتآكل جذوره في مزارع كيوتو بفعل الحرارة والندرة.

ما الذي يحدث خلف كوب الماتشا الرائج؟

ارتفع الطلب العالمي على «الماتشا»، ذلك المسحوق الأخضر المركز المستخلص من أوراق «تنشا»، إلى مستويات غير مسبوقة. وفق بيانات وزارة الزراعة اليابانية، تضاعف إنتاجه ثلاث مرات منذ 2010، بينما قفزت صادرات الشاي الأخضر عمومًا بنسبة 25% في عام 2023 لتصل إلى ما يعادل 250 مليون دولار.

لكن هذا الصعود السريع ليس من دون كلفة. إذ يقول مزارعون مثل ماساهيرو يوشيدا، وهو مزارع من الجيل السادس في مدينة أوجي، إنهم بالكاد حصدوا 1.5 طن هذا العام، بانخفاض ربع الإنتاج المعتاد، بسبب موجات حرارة غير مسبوقة ضربت اليابان في صيف 2024، وهو العام الأكثر سخونة على الإطلاق هناك، ما أضر بالشجيرات قبل أن تكتمل نضجها.

ويضيف: «حرارة الصيف الماضي أحرقت الشجيرات. لم نتمكن من قطف عدد كافٍ من الأوراق». وهذا ليس استثناء، بل ظاهرة تكررت في أغلب مناطق إنتاج «تنشا» التي تشكل الأساس لصناعة الماتشا.

كيف يؤثر المناخ وترامب في كوب الشاي؟

عملية إنتاج الماتشا حساسة ودقيقة. فقبل قطف الأوراق بأسابيع، تُظلل شجيرات «تنشا» لمنع أشعة الشمس، وهي خطوة حاسمة لتطوير نكهة «الأومامي» المميزة، تلك النكهة الممتزجة بين الملوحة والحلاوة، التي تميز هذا الشاي عن غيره. ثم تُجفف الأوراق وتُطحن بحجارة ببطء لا يتجاوز إنتاج 40 غرامًا في الساعة.

لكن هذه العملية الدقيقة تصطدم اليوم بواقع قاسٍ، فدرجات الحرارة المرتفعة لا تدمر المحصول فحسب، بل تسرّع نمو الأوراق بشكل يخل بتوازن النكهة، ويصعّب جدولة الحصاد، كما تؤثر في معدلات الرطوبة المطلوبة في أثناء الطحن والتخزين.

إلى جانب المناخ، جاءت السياسة لتفاقم الأزمة. فخلال يوليو الجاري، فرضت الولايات المتحدة تعرفة جمركية بنسبة 15% على الواردات اليابانية، بما فيها الماتشا.

وتقول لورين بورفيس، مالكة شركة «ميزوبا تي» الأمريكية، إن «طلب العملاء ازداد بنسبة 70% قبيل تطبيق الرسوم، خوفًا من ارتفاع الأسعار». وتضيف: «لا يُزرع شاي ماتشا في الولايات المتحدة، فلا يوجد قطاع محلي يحميه هذا القرار». لهذا، تطالب بورفيس بإعفاء الشاي المتخصص من الرسوم.

في المقاهي الغربية، بات الطلب يسبق التوريد بأيام. بعض الزبائن في لندن ونيويورك يشترون كيلوجرامات دفعة واحدة، ما يدفع الموردين لفرض حدود قصوى. في كيوتو، حددت صالة «كامليا» لاحتفالات الشاي بيع علبة واحدة فقط لكل زائر، فيما تضطر «تشازن» بطوكيو إلى تأجيل بعض الطلبات لأكثر من أسبوع.

هل أصبح الماتشا ضحية شهرته؟

المفارقة أن الشاي الذي ارتبط لقرون بحفلات التأمل والصمت، أصبح رمزًا للهوس الاستهلاكي السريع. تقول آتسوكو موري، مديرة «كامليا»: «من المحزن رؤية الماتشا عالي الجودة يُستخدم في الطبخ أو يُخزن للمضاربة، بدلاً من الاستمتاع به كما هو». وتضيف: «الماتشا بالنسبة لنا ليس مشروبًا، بل ثقافة».

ولهذا السبب، تدعو الجمعية العالمية للشاي الياباني المستهلكين لاستخدام أنواع أقل جودة لأغراض الطبخ، وترك الفئات الأعلى للاحتفالات أو الشرب البسيط.

في رأي ماساهيرو ناجاتا، المؤسس المشارك لسلسلة مقاهي «ماتشا طوكيو»، فإن ما يحدث «فقاعة» قابلة للانفجار: «الأنواع الرديئة تُباع بسعر مرتفع، وهذا غير مستدام. نعتقد أن الحمى ستهدأ خلال عامين إلى ثلاثة».

لكن حتى لو هدأت، فإن أثرها باقٍ، فقد دخل الماتشا سوقًا لا تعرف التباطؤ، وربما خرج من حديقته الهادئة إلى زحمة الاقتصاد العالمي، حيث يُقاس بكل غرام، لا بكل لحظة تأمل.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

أفلام السينما السعودية في أغسطس 2025.. عروض عربية وأجنبية

المقالة التالية

أكبر تهديدات الصحة النفسية للمراهقين