يحتفل العالم في الخميس الثالث من شهر نوفمبر، باليوم العالمي للفلسفة، احتفاءً بالقدرة الفكرية للإنسان على التأمل والتحليل والنقد. أطلقت اليونسكو هذا اليوم لتسليط الضوء على أهمية الفلسفة في فهم العالم وتعزيز الحوار بين الثقافات وتبادل الأفكار عبر الزمن والمجتمعات.
ما هي الفلسفة الكلبية؟
ومن بين المذاهب الفلسفية المثيرة للاهتمام، تبرز الفلسفة الكلبية أو التشاؤمية التي أسسها الفيلسوف أنتيستنيس في القرن الرابع قبل الميلاد، أحد تلاميذ سقراط. ويتميز أتباع هذا المذهب بعدم الثقة في الطبيعة البشرية واعتقادهم بنقص الخير فيها.
وُلد أنتيستنيس في عائلة ثرية، وشكّلت ملاحظته للتناقضات والظلم في المجتمع أساس أفكاره الفلسفية. آمن بأن السعادة تقوم على الفضيلة الأخلاقية التي يمكن غرسها بالتعليم، وميّز بين الخيرات الخارجية مثل المتعة والملكية، والخيرات الداخلية كمعرفة النفس. دعا إلى ضبط النفس والابتعاد عن إغراءات المتع، وحثّ طلابه على تحمّل الألم في سبيل تنمية ثروتهم الداخلية. ولإيصال أفكاره بأسلوب حاد، كان يستلهم أسطورة هرقل ويستخدم خطابًا لاذعًا يشبّهه البعض بـ"النباح"، وهو ما شكّل نواة المدرسة الكلبية التي استمرت بعد وفاته.
كما ساهم الفيلسوف الألماني شوبنهاور لاحقًا في إبراز فلسفة التشاؤم في الفكر الغربي. وبرز ديوجين كأحد أبرز أتباع الفيلسوف أنتيستنيس، مطبقًا مبادئ الفلسفة الكلبية بشكل متطرف، إذ كان يعيش على أبسط أنواع الطعام وينام في حوض، مجسّدًا فلسفة التقشف والنقد الاجتماعي. وفي تطور لاحق، أسس زينون الفلسفة الرواقية، المذهب الذي تأثر بالكلبية، وازدهر في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الثالث قبل الميلاد.
تقوم الفلسفة الكلبية على مجموعة المعتقدات التي تبناها أتباعها، حيث رفض الكلبيون جميع التقاليد الدينية والأخلاقية والاجتماعية، بما في ذلك قواعد اللباس واللباقة والقيود الاجتماعية الأخرى. وبدلاً من ذلك، شجعوا على اتباع أسلوب حياة بسيط وغير مادي يهدف إلى الفضيلة، مؤكدين على مجاراة الطبيعة وعدم المبالاة بالأعراف الاجتماعية.
وتختلف المصادر حول أصل اسم الكلبية؛ فبعضها يرجع الاسم إلى "سينوسارغس" ، المبنى في أثينا حيث اجتمع الكلبيون لأول مرة، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن الاسم مشتق من الكلمة اليونانية التي تعني كلب، في إشارة إلى سلوك الكلبيين الفظ ونباحهم في وجه مجتمعهم الفاسد. ويستخدم الغربيون اليوم مصطلح "كلبي" لوصف من يسخر من الفكرة القائلة بوجود الخير في الطبيعة البشرية .
اتباع الفلسفة الكلبية
ورغم صرخة الكلبيين في وجه المجتمع الذي اعتبروه فاسدًا، يرى البعض أن تأثيرهم كان محدودًا، إذ أن المجتمع بحاجة إلى مصلحين إيجابيين يدعمون الأخلاق والقيم ويغرسونها، بدلاً من التمرد على كل ما هو جميل من أعراف وتقاليد.
اعتبر الكلبيون الإغريق والرومان أن الفضيلة هي الشرط الوحيد لبلوغ السعادة، وتبنّوا هذا المبدأ إلى حدّ دفعهم لإهمال كل ما لا يخدم سعيهم نحو الكمال الأخلاقي. وقد جاءت تسميتهم من تشبيههم بالكلاب بسبب تجاهلهم للمجتمع والعائلة والمال، وتمسّكهم بحياة بسيطة خالية من التقاليد. ورفض الكلبيون المعتقدات الشائعة التي تربط السعادة بالمال أو النفوذ أو الشهرة، مؤكدين أن الفضيلة وحدها قادرة على تحقيق السعادة الحقيقية
رفض الكلبيون القدامى القيم الاجتماعية السائدة، ووجّهوا انتقادات حادة لسلوكيات مثل الجشع، معتبرين أنه مصدر معاناة للآخرين. وقد ركّزت الفلسفة الكلبية في سياقها اليوناني على الفضيلة والحرية الأخلاقية بوصفهما شرطين للتحرر من عبودية الرغبات. لكن مفهوم الكلبية تبدّل لاحقًا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ليأخذ معنى أكثر سلبية، يتمثل في الازدراء والتشكيك في نزاهة دوافع الآخرين، خصوصًا في ما يتعلق بالأخلاق.
ومع حلول القرن التاسع عشر، تغير مفهوم الكلبية لكنها استمرت في دائرة التشاؤم، لتصبح رمزًا للسلبية الشديدة، متجسدة في الإحباط وخيبة الأمل وفقدان الثقة تجاه المجتمع وجميع النظم والسلطات.
اقرأ أيضًا :
من هو ملك إنجلترا المنسي الذي تلاشى إرثه من التاريخ؟














