logo alelm
كهوف السعودية.. كنوز بقلب الصحراء

تنتشر كهوف السعودية في عمق تضاريس المملكة كصفحات من كتاب جيولوجي مفتوح، حيث لا تقتصر قيمتها على كونها تكوينات طبيعية فريدة، بل تمثل أرشيفًا يوثق تاريخ الأرض وتحولاتها المناخية والبيئية على مدى ملايين السنين.

وتعرف هذه التكوينات محليًا باسم “الدحول” أو “الغيران”، وقد كانت ملاذًا للإنسان قديمًا، وتتحول اليوم إلى وجهات سياحية وعلمية واعدة، مع اكتشاف وتسجيل ما يزيد على 1826 كهفًا ودحلًا حتى الآن، بحسب أحدث الإحصاءات الرسمية، تتركز غالبيتها في هضبة الصمان بين الرياض والأحساء، وفي مناطق الحرات البركانية غرب وشمال المملكة، مما يجعل كهوف السعودية ثروة جيولوجية وجيومورفولوجية هائلة.

كهوف السعودية بمثابة متاحف طبيعية

تحتفظ هذه التكوينات الطبيعية داخل جدرانها بسجلات لا تقدر بثمن عن ماضي شبه الجزيرة العربية، مما يجعلها بمثابة متاحف طبيعية مفتوحة.

وكشفت أبحاث جيولوجية حديثة، استندت إلى تحاليل النظائر المشعة في هذه الكهوف، عن مرور المنطقة بخمس مراحل مناخية كبرى خلال الثمانية ملايين سنة الماضية، بدأت بفترات مطيرة جعلت الأرض خضراء، وانتهت بجفاف طويل أفرز الصحراء الحالية.

وتدعم هذه الاكتشافات فرضية “الجزيرة العربية الخضراء”، حين كانت المنطقة تعج بالأنهار والبحيرات والغابات، كما عُثر داخل بعض كهوف السعودية على أدوات حجرية وعظام بشرية يعود تاريخها إلى أكثر من 7 آلاف عام، بالإضافة إلى بقايا كائنات منقرضة مثل الفيلة وأفراس النهر والتماسيح والضباع، مما يقدم دليلًا ماديًا على طبيعة الحياة في تلك العصور السحيقة.

وتتميز جدران بعضها بنقوش أثرية تعود للعصر الحجري الحديث، تصور مشاهد من الحياة اليومية والقوافل التجارية، مما يضيف بعدًا تاريخيًا وثقافيًا إلى قيمتها الجيولوجية.

أشهر كهوف السعودية

تتنوع وجهات كهوف السعودية بين مواقع أثرية وأخرى تعد ميادين لهواة المغامرة والاستكشاف، ويبرز كهف “شعفان” المعروف أيضًا بـ “الشويمس” في حرة النار بمنطقة حائل، كواحد من أطول وأهم الكهوف في المملكة، حيث يمتد لمسافة تصل إلى كيلومترين تحت الأرض.

ويتميز الكهف، المظلم تمامًا، بوجود بقايا عظام لحيوانات مفترسة، مما يدل على أنه كان مأهولًا بالسباع قديمًا، ويقدم تجربة فريدة للمستكشفين.

وفي الشمال من الرياض، يقع دحل “درب النجم”، وهو تجويف عميق يصل إلى 100 متر تحت سطح الأرض، اكتسب اسمه من اعتقاد محلي بأن النجوم شكلته، ويتميز بمشاهده الخلابة الناتجة عن تسلل أشعة الشمس إلى أعماقه.

أما “عين هيت” بالقرب من الخرج، فتعد مصدرًا مهمًا للمياه العذبة ومقصدًا لمحبي استكشاف الكهوف المغمورة بالمياه.

وإلى جانب هذه المواقع الطبيعية، تحتل كهوف أخرى مكانة تاريخية ودينية بارزة، مثل غار حراء وغار ثور في مكة المكرمة، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسيرة النبوية الشريفة.

وتتشكل هذه الكهوف عبر عمليات جيولوجية معقدة، فمنها الكهوف الجيرية التي تكونت في صخور رسوبية تحت البحار القديمة قبل أكثر من 60 مليون سنة، ونحتتها المياه الحمضية ببطء لتشكل أنفاقًا وممرات مزينة بالهوابط والصواعد الكلسية، وهناك أيضًا كهوف الحرات الأنبوبية التي تشكلت من تدفقات الحمم البركانية في غرب المملكة.

وتسعى الجهات المعنية في السعودية، بالتعاون بين وزارة السياحة وهيئة المساحة الجيولوجية، إلى تحويل عدد من هذه الكهوف إلى وجهات سياحية مدروسة.

ويسبق ذلك عمليات بحث واستكشاف شاملة، بمشاركة علماء آثار وأحياء، لتقييم مدى صلاحية الموقع للاستخدام السياحي أو العلمي، مع وضع ضوابط بيئية صارمة لضمان حماية هذه التكوينات غير المتجددة. ويؤكد الخبراء أن دراسة كهوف السعودية لا تزال في بداياتها، مع توقعات بوجود مئات الكهوف الأخرى التي لم تكتشف بعد، والتي قد تحمل في طياتها المزيد من أسرار تاريخ الأرض.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

بعد تفعيل بولندا لها.. ماذا تعني المادة الرابعة لميثاق الناتو؟

المقالة التالية

صناعات المستقبل في السعودية.. محرك النمو الاقتصادي