في عالم الأعمال الحديث، لم تعد المهارات التقنية والخبرة الطويلة وحدها ما يحدد نجاح الموظف واجتيازه اختبارات التوظيف أو الانترفيو. فهناك سمة تتصدر قائمة الصفات المطلوبة لدى قادة الشركات، وهي الشغف الحقيقي. الشغف لا يمنح الموظف الدافع للتفوق فحسب، بل يجعله أكثر ارتباطًا برسالة الشركة وأكثر قدرة على التعلم والتطور باستمرار.
يقول بن غودوين، الرئيس التنفيذي لشركة Olipop -وهي شركة أمريكية متخصصة في صناعة المشروبات الغازية- إن الأشخاص الذين يمتلكون “تلك الشرارة الحقيقية في داخلهم” والدافع القوي للنجاح، أكثر جاذبية من أصحاب السير الذاتية المبهرة، بحسب ما نقلته شبكة “CNBC” الأمريكية.
ويضيف: “عندما يتنافس الشغف مع المهارة التقنية، ينتصر الشغف دائمًا. فحين يمتلك الشخص شغفًا حقيقيًا، سيكتسب المهارات مع الوقت. أما العكس، فقد يؤدي إلى شعور الموظف بعدم الرضا أو الانفصال عن رسالة وهدف الشركة — وهما عاملان أساسيان لفريق متفاعل ومنتج”.
على نطاق أوسع، بدأت الشركات تقلل من تركيزها على المهارات الصلبة لصالح سمات أخرى مثل القدرة على التكيف، وحل النزاعات، والتفكير الابتكاري، والقدرة على التواصل أمام الجمهور، بحسب تقرير “المهارات الصاعدة 2025” الصادر عن منصة لينكد إن.
ورغم أن الحديث عن الشغف قد يبدو مُستهلكًا أو مجرد كلام مألوف، إلا أن خبراء التوظيف يؤكدون أن أهميته أكبر مما يعتقد كثيرون، خاصة في ظل بيئة العمل الحديثة التي تزداد فيها المنافسة وتعقيد المشروعات. فالشغف لا يقتصر على الحماس اللحظي، بل يظهر في التزام الموظف، وقدرته على مواجهة التحديات، واستمراره في التعلم والتطور، حتى عندما تواجهه صعوبات. كما أن الشغف أصبح مهارة نادرة الوجود في هذا العصر، فقلة فقط من الموظفين يمتلكون القدرة على الدمج بين الحماس الشخصي والعمل الجاد لتحقيق أهداف الشركة، مما يجعل من يتمتعون به عناصر قيمة وأساسية لأي فريق يسعى للنجاح.
وفي السياق ذاته، يؤكد نولان تشيرش، المتخصص في استقطاب المواهب للشركات الكبرى، وعمل في أقسام استقطاب المواهب بشركات مثل جوجل ويشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لمنصة Continuum، أنه لا يوجد موظف جيد لا يتحلّى بالشغف، موجهًا بالنصيحة لكل من أراد الحصول على وظيفة ألا يكتفي بإظهار شغفه خلال مقابلة العمل، بل يمكنه أن يسبق بخطوة ويضيف قسمًا في نهاية السيرة الذاتية تحت بند “الاهتمامات”.
وأكدتشيرش خلال حديثه مع “CNBC”: “إذا كنت تهتم حقًا بشيء ما، فهذا يعني أنك قادر على أن تهتم بعملك أيضًا”.
أما بالنسبة لغودوين، فهو يرى أن هذا الشغف يخلق لدى المرشح إحساسًا بالمسؤولية والحماية تجاه عمله كما يدفعه لوضع رسالة الشركة أمام عينيه طوال الوقت؛ فالأشخاص المتحمسون لا يندفعون بل يتأنّون أكثر في قراراتهم.
كما لفت إلى أن الشغف بالعمل يؤثر حتى على العلاقات بين فريق العمل؛ فالأشخاص المتحمسون لرسالة عملهم تتشكل علاقاتهم بفريقهم بشكل أعمق.
ويضرب غوديون مثالًا بنفسه، قائلاً: “مررت بمراحل كثيرة في حياتي، بعضها عُرض علي مبالغ مالية مغرية لكنني كنت أرفضها -حتى عندما كنت في حاجة ماسة إليها- لأنني رأيت فيها مكسبًا قصير الأمد يهدد الهدف بعيد المدى. وكان يجب أن أحدد اختياري هنا: إما أن أكون جادًا في تحقيق رسالة الشركة أو لا أكون.. الشغف يمنحك فلسفة واضحة توجهك في قراراتك”.
أما السمة التي ترفع لديه جرس الإنذار أثناء المقابلات، فهي الغرور المبالغ فيه، فيوضحها غودوين في حديثه قائلاً: “لا يمكننا توظيف أشخاص يرون أن ذواتهم أهم من رسالة الفريق”.
وللكشف عن هذا الجانب، يطرح الرئيس التنفيذي لشركة Olipop، على المرشحين للوظيفة خلال المقابلة أسئلة تتعلق بمدى وعيهم الذاتي.
ويضيف: “لضبط الأنا، يجب أن تعرف نقاط ضعفك، وأن تكون متواضعًا بما يكفي للاعتراف بها، وأن تضع استراتيجيات للتعامل معها؛ الشخص الذي يستطيع التعبير عن هذه الأمور بوضوح، هو على الأرجح شخصًا بذل مجهودًا كبيرًا لتطوير مهاراته وقدراته”.