شهدت صناعة السينما العالمية خلال الأيام الماضية حدثًا غير مسبوق تمثل في تقديم أول “ممثلة” وُلدت من رحم الذكاء الاصطناعي، عُرفت باسم تيلي نوروود، والتي تحولت إلى محور نقاش محتدم بين صناع الفن ونجوم الشاشة والنقابات المهنية.
وانطلقت شرارة الجدل من قمة السينما في زيورخ عندما قدمت الممثلة والمنتجة الهولندية إيلين فان دير فيلدن مشروعها الجديد وهو شخصية افتراضية بالكامل تُحاكي ممثلة شابة في العشرينات. وظهرت نوروود لأول مرة في مقطع قصير لا يتجاوز 20 ثانية، جسدت فيه دور فتاة مرحة ضمن محاكاة ساخرة لبرنامج تلفزيوني تولّده الخوارزميات.
وبالرغم من أن الشخصية لا تشبه أي نجمة معروفة، إلا أن ملامحها – بشعرها البني الطويل وعينيها البنيتين ولهجتها البريطانية – منحتها حضورًا أقرب إلى الممثلات الحقيقيات، وهو ما جعلها تثير ضجة واسعة فور الإعلان عنها.
جاء رد الفعل الأقوى من نقابة ممثلي الشاشة (SAG-AFTRA)، والتي سارعت إلى إصدار بيان حاد وصفت فيه المشروع بأنه تهديد مباشر للمواهب البشرية، مشددة على أن “الإبداع جوهره الإنسان، وينبغي أن يظل كذلك”، محذّرة من مغبة استبدال الممثلين بلقطات مصطنعة لا تمتلك حياة ولا مشاعر حقيقية. وأكدت النقابة أن نوروود ليست “ممثلة”، بل نتاج برنامج حاسوبي تم تدريبه على مئات الأعمال الفنية دون إذن أو تعويض للمشاركين فيها، معتبرة الأمر انتهاكًا خطيرًا لحقوق الفنانين.
في المقابل، دافعت فان دير فيلدن عن ابتكارها، مؤكدة أن المشروع ليس بديلًا عن الإنسان، بل تجربة فنية تفتح بابًا للنقاش حول مستقبل الفن والتقنية. وذهبت أبعد من ذلك حين صرحت في مقابلة سابقة أنها تطمح لأن تصبح تيلي نوروود “سكارليت جوهانسون الجديدة”. ورغم هذا الطموح، يرى خبراء الذكاء الاصطناعي مثل إيف بيرجكويست من جامعة جنوب كاليفورنيا أن الضجة مبالغ فيها، مؤكدة أن “المجتمع الفني لا يزال بعيدًا عن قبول ممثلين اصطناعيين بشكل كامل”.
لم يقتصر الجدل على النقابة، بل امتد إلى أبرز النجوم. فقد وصفت الممثلة إيميلي بلانت التجربة بأنها “مخيفة للغاية”، بينما طالبت ناتاشا ليون بمقاطعة أي وكالة مواهب تدعم المشروع. أما الكوميدية ووبي غولدبرغ فأكدت أن الجمهور يملك القدرة على التمييز بين الأداء البشري والحركات الاصطناعية، مشيرة إلى أن “الوجوه تتحرك بطريقة لا يمكن تقليدها برمجيًا”.
واللافت أن الممثلة الافتراضية تمتلك بالفعل حضورًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنشر صورًا ورسائل تُضفي عليها طابعًا إنسانيصا. ففي أحد منشوراتها كتبت: “قد أكون من مواليد الذكاء الاصطناعي، لكنني أشعر بمشاعر حقيقية للغاية الآن. أنا متحمسة جدًا لما سيأتي لاحقاً!”، وهو ما زاد من حدة الاعتراضات على طمس الحدود بين الواقع والخيال.
وتزامن ظهور نوروود مع ذكرى إضرابات هوليوود عام 2023، التي كان الذكاء الاصطناعي أحد أسبابها الرئيسية، حيث طالب الفنانون بحماية وظائفهم من الاجتياح التقني. واليوم، ومع صعود “الممثلة الاصطناعية”، يعود شبح الأزمة ليلوح مجددًا، خاصة مع أنباء عن وجود وكالة مواهب جديدة مخصصة لنجوم الذكاء الاصطناعي يجري التفاوض معها خلف الكواليس.
لم تقل ردود فعل القراء والجمهور سخونة عن مواقف النقابة والنجوم. إذ رأى بعضهم أن هوليوود لن تتردد في استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل النفقات وزيادة الأرباح، فيما حذر آخرون من أن التقنية ستظل عاجزة عن إتقان الكوميديا أو خلق تفاعلات درامية مقنعة بين شخصيات متعددة. وفي حين اعتبر فريق أن “المارد خرج من القمقم ولن يعود”، رأى آخرون أن “الممثل الاصطناعي” فكرة بلا معنى، لأن التمثيل فعل إنساني قائم على التجربة والمشاعر والتفاعل المباشر.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، فإن النقاش الدائر تجاوز حدود الفن إلى حسابات اقتصادية بحتة. فشركات مثل نتفليكس، التي تجني عشرات المليارات سنويًا، قد تجد في تقنيات الذكاء الاصطناعي وسيلة مثالية لإنتاج محتوى أرخص وأسرع. غير أن هذا السباق، وفق بعض النقاد، قد يضعف القيمة الفنية ويحول السينما إلى منتج بلا روح. وما بين المتحمسين لفكرة “الممثلة الاصطناعية” والداعين إلى مقاطعتها، تبقى الحقيقة أن تيلي نوروود فتحت بابًا جديدًت لم يكن يتخيله أحد قبل سنوات قليلة. قد تصبح التجربة مجرد فقرة عابرة في تاريخ هوليوود، وقد تتحول إلى بداية فصل جديد يعيد تعريف مفهوم النجومية.
اقرأ أيضًا:
جديد Netflix في أكتوبر 2025
ترامب يفرض رسومًا بنسبة 100% على الأفلام الأجنبية.. ماذا يعني ذلك؟
أليس في بوردرلاند الموسم الثالث.. الموعد والقصة وطريقة المشاهدة