بات أسلوب العمل المختلط بين المنزل والمكتب واقعًا يفضله الكثيرون، منذ أن تم تطبيقه بشكل كبير خلال فترة جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من إغلاقات.
ومع تخفيف القيود وإنهاء الإغلاق في دول عدة، تمسك الكثير من الموظفين بالعمل عن بُعد حتى ولو بشكل جزئي، وهو ما دفع المهندسين المعماريين ومطوري العقارات لإعادة النظر في طبيعة أماكن العمل المستقبلية لتتناسب مع العمال الذين يقسمون وقتهم بين المنزل والمكتب.
وبدأ المطورون في التفكير في أماكن عمل تشبه غرفة المعيشة التي يعيش فيها الموظف، من حيث مساحات مرنة ومتعددة الاستخدامات وشرفات خارجية، متوقعين أن تسود هذه الابتكارات مستقبلًا.
مكتب كالمنزل
وفق شركة Kastle Systems المتخصصة في دراسة أماكن العمل في أميركا، فإن متوسط استخدام مكاتب العمال يبلغ 50٪ من مستويات ما قبل الجائحة في 10 مدن أمريكية كبرى، كما تراجعت مشاركة الموظفين في أماكن العمل خلال عام 2022 للعام الثاني على التوالي، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في يناير.
يقول كبير العلماء في ممارسة إدارة مكان العمل في جالوب، جيم هارتر، إن التنسيق من أجل أن يعمل الموظفون بأسلوب الهجين بين المنزل وأماكن العمل من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً في جعل العمال يشعرون بمزيد من الإقبال على العمل.
يسعى بعض مصممي المكاتب إلى تحقيق أجواء منزلية مع عدد أقل من المكاتب وعدد أكبر من الأرائك والكراسي بذراعين والمقاعد وحتى المواقد والكثير من النباتات، والهدف هو جعل المكاتب أقل مظهرًا للشركات وأكثر ترحيباً بالموظفين الذين اعتادوا العمل في منازلهم المريحة.
ويقول المصممون إن المناطق التي تشبه صالات الانتظار والتي كانت في الماضي مخصصة للمديرين ستكون متاحة لجميع الموظفين في المستقبل.
وكمثال تم تصميم مقر المكتب الرئيسي لشركة ماريوت الدولية، والذي تم افتتاحه في سبتمبر 2022، وفق هذه التطويرات، إذ تحتوي المساحة المشتركة في الطابق الحادي والعشرين على مدفأة وخزائن مع شاشة تلفزيون داخلية، وتوجد أرائك ومقاعد في جزيرة مرتفعة حيث يمكن للموظفين العمل أو الاجتماع مع الزملاء، مع وجود المشروبات في متناول اليد.
نهج مرن
تعكس تصاميم المكاتب الجديدة درسًا آخرًا تعلمته الشركات من العمل عن بُعد خلال فترة الوباء، وهو اكتسابها مرونة أكبر.
سيكون لمكتب الغد بيئات أكثر انفتاحًا تستوعب تفضيلات العمل المتنوعة، كما يقول المدير الإداري الأول لقيادة خدمات الأصول في شركة العقارات التجارية Cushman & Wakefield، بريت ويليامز، إن ذلك سيخلق مزيجًا من مساحات العمل الفردي وأخرى جماعية – غالبًا على بعد خطوات من بعضها البعض بدلاً من طوابق مختلفة كما في الماضي.
وستكون غرف الاجتماعات أكثر تكيفًا مع أسلوب العمل الهجين، من خلال تزويدها بتكنولوجيا تسمح لمن يحضرون مؤتمرات الفيديو عن بُعد بالشعور كما لو كانوا في الغرفة، كما يقول مخططو المكاتب.
مساحات مفتوحة
تعتبر التراسات الخارجية والمساحات الخضراء والوصول إلى الضوء الطبيعي والنوافذ، ميزة رئيسية في خطط المباني الجديدة، إذ عكست المخاوف من انتشار كوفيد ضرورة الاهتمام بوجود مساحات مفتوحة، وهي أيضًا تهدف إلى محاكاة ما استمتع به العديد من الموظفين عند العمل من المنزل.
ويسعى المهندسون المعماريون للابتعاد عن تكدس المكاتب داخل المباني وهو ما يسمح للجميع بالوصول إلى الشرفات، بالإضافة إلى الجدران الزجاجية، إذ يمكن فتح النوافذ للحصول على الهواء النقي، ويمكن تزيين الشرفات بالنباتات وكراسي الاستلقاء.
وتستهدف هذه الجهود أيضًا الانطوائيين وغيرهم من العمال الذين أبدوا نشاط أكبر في العمل بمفردهم أو في محيط هادئ أثناء الوباء، وتكثير لديهم المخاوف من تراجع الإنتاجية مع العودة إلى المكتب.