في زمن حكمه الرجال، استطاعت غالية البقمية حفر اسمها في حائط التاريخ، ببطولات تُثبتها بسالتها، وبذكائها وفطنتها أخمدت كل محاولات القضاء على الدولة السعودية الأولى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (13 هـ).
اسمها الكامل: غالية بنت عبدالرحمن بن سلطان بن غربيط الرميثانية البدرية الوازعية البقمية، من قبيلة “البقوم” الساكنة بين الحجاز ونجد، وإحدى أعرق قبائل جزيرة العرب حسباً ونسباً. وهي زوجة الشيخ حمد بن عبدالله بن محيي، أمير مدينة “تربة البقوم” غرب الجزيرة العربية.
ضحّت “غالية البقمية” بالغالي والنفيس من أجل وطنها، وسط حزنها على فقدان زوجها الشيخ حمد بن عبدالله بن محيي، الذي أخفت خبر وفاته عن الجميع كي لا تتسبب في إحباط عزيمة قومها في حرب ضارية ضد جيوش الأتراك.
الصمود في وجه الأعداء
في عام 1228 هجرية، أغار طوسون باشا نجل محمد علي باشا على مدينة “تربة” وأثناء تلك الأحداث كان زوجها الأمير مريضًا؛ فتولت غالية مهمة إيصال خطط المعركة لقادة البقوم في بيت الأمير، ليتحقق النصر وينهزم طوسون ومن معه، ويُقتل أكثر جنده.
أما في عام 1229 هجرية، فقد غزا مصطفى بيك وطوسون باشا وعابدين بيك “تربة” مجدداً، واستأنفت غالية جهودها في إيصال الخطط في معركة استمرت 3 أيام، ليُهزم جيش الأتراك مرة أخرى.
توفي زوج “غالية” في بداية المعركة، لكنها أخفت الخبر عن القبيلة وبدأت في إصدار الأوامر على لسانه بعد التحاور مع القادة ومناقشتهم في الأمر، حتى انتصروا.
لم تخشَ الجيش الجرار الذي أرعب الجميع، والذي تسير صفوفه على وقع الموسيقى العسكرية مصحوبًا بالمدافع الضخمة التي تجرها عربات مسطحة تسير على العجلات.
ذهبت إلى ما هو أبعد من تقديم المشورة وتوجيه الأوامر لقادة الجند، فأرسلت خدمها للمقاومة، ووزعت المال والسلاح والطعام على رجال قبيلتها، وشجعتهم وزادت من حماستهم للتحرر من سطوة الجيش الغازي بالقصائد الحماسية.
نهاية غامضة
اختلف المؤرخون حول مصير غالية البقمية، فقال البعض إنها ذهبت إلى الدرعية في قافلة مكونة من 28 جملاً محملاً بالذهب والفضة والزاد، فيما أكد آخرون أنها عادت إلى تربة مسقط رأسها لتقيم في قصرها هناك. عدا ذلك لم يُذكر أي شيء عما آلت إليه المناضلة الباسلة.
تأريخ سيرتها
نُسجت كثير من الروايات حول شخصية غالية البقمية، لدرجة زَعْم أعدائها بأنها ساحرة ودجالة، فيما أجلَّها آخرون، فشبهها المؤرخون الفرنسيون ببطلتهم “جان دارك” الشهيرة بمحاربة الإنجليز المحتلين لفرنسا قديمًا.
قررت السعودية إبراز بطولاتها وتعريف الأجيال بدورها، لذا أدرجت وزارة التعليم في عام 2019 سيرة المناضلة ضمن منهج مادة الدراسات الاجتماعية للصف السادس الابتدائي.