فن

صحفي وفيلسوف بدرجة أديب.. محطات في حياة أنيس منصور

تحل اليوم ذكرى ميلاد الأديب المصري الراحل، أنيس منصور، وبهذه المناسبة، نأخذكم في جولة نستعرض خلالها أبرز محطات رحلة حياته التي استمرت 87 عامًا.

ولد الكاتب أنيس منصور، عام 1925 في مركز شربين بالقرب من مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية بشمال مصر.

الفترة التي ولد فيها كانت بمثابة صحوة الفكر المصري، الذي كان في قمة توهجه بعد ثورة 1919، ومثل أبناء جيله، بدأ مرحلة التعليم بأخذ اللغة من القرآن الكريم، وأتمه في سن صغير، لينخرط بعده إلى القراءة في مجالات شتى.

حفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي والأجنبي، ونبغ في تعلم اللغات، التي بلغ فيها مبلغًا لم يصل له كاتب مصري أو عربي.

قراءاته ساهمت في تكوين قاعدة قوية، ساعدته على التفوق العلمي، حتى حصل على المركز الأول بالثانوية على مستوى مصر كلها.

الدراسة

اختار كلية الآداب بجامعة القاهرة، بسبب عشقه للغة والأدب، والتحق بقسم الفلسفة الذي تخرج منه كبار المفكرين والأدباء المصريين.

بعد تخرجه عام 1947، عمل مدرسًا للفلسفة الحديثة في جامعة عين شمس، من عام 1954م حتى عام 1963م، ودفعه حبه للكتابة والصحافة للالتحاق ببلاط صاحبة الجلالة، وتحديدًا في مؤسسة أخبار اليوم.

أتقن أنيس منصور إلى جانب العربية، اللغات الإنجليزية والإيطالية والألمانية واللاتينية والفرنسية والروسية، وألم ببعض اللغات الأخرى، فكان ذلك سبيلًا للانفتاح بشكل كبير على الثقافات الأخرى، التي ساهمت في تشكيل وعيه.

استغل مهاراته اللغوية في ترجمة الكتب الفكرية والمسرحيات وتنقل في العديد من بلدان العالم، وهو ما جعله أحد أبرز من قدموا أدب الرحلات في تاريخ الثقاف العربية.

الرحلة الصحفية

صنع أنيس منصور لنفسه مكانة في بلاط صاحبة الجلالة، وأرسى نفسه كأحد أعمدة مؤسسة أخبار اليوم، التي بقي فيها 20 عامًا، إلى أن شغل منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار المعارف.

في الدراسة والصحافة، كان الأديب متفردًا عن أقرانه بفضل مهاراته المتعددة، وطغت روح الأديب على قلمه الصحفي، ما منحه تميزًا عن السياق التقليدي للصحافة.

مزجه بين الفلسفة والأدب منحه أسلوبًا صحفيًا خاصًا، فكان من أصغر من شغلوا منصب رئيس التحرير في الصحافة المصرية، قبل أن يتم عامه الثلاثين.

مثلما كان الأستاذ محمد حسنين هيكل، أقرب الصحفيين للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كان أنيس منصور هو أقربهم للرئيس الراحل أنور السادات، الذي كلفه بتأسيس مجلة أكتوبر في عام 1976، وتولى رئاسة تحرير المجلة، بجانب رئاسته لمجلس إدارة دار المعارف، وظل في هذا المنصب حتى عام 1984.

الإرث الأدبي

أثرى أنيس منصور طوال حياته الثقافة العربية، بأعمال تجاوزت 200 كتاب، حتى اعتبره بعض الباحثين والمثقفين مكتبة متكاملة من المعارف في مجالات عدة، خلقت ثقافة أجيال كاملة.

من أشهر كتب أنيس منصور: حول العالم في 200 يوم، أعجب الرحلات في التاريخ غريب في بلاد غريبة، أنت في اليابان وبلاد أخرى، بلاد الله لخلق الله، اليمن ذلك المجهول.

تحولت بعض كتبه إلى أعمال سينمائية ودرامية ومسرحية، منها: مسرحية حلمك يا شيخ علام، ومن الذي لا يحب فاطمة.

ونقل من لغات أخرى 9 مسرحيات و5 روايات، بالإضافة إلى ترجمة 12 كتابًا لكبار الفلاسفة الأوروبيين، كما نقلت دور النشر العالمية كتب أنيس منصور إلى لغات أخرى، خاصة الإنجليزية والإيطالية، ومنها كتاب حول العالم في 200 يوم، الذي ترجم لما يزيد عن 10 لغات.

أما بصمته في الصحافة فكانت في عموده الأشهر في الصفحة الأخيرة لجريدة الأهرام “مواقف”، ومقالاته في صحيفة الشرق الأوسط واللندنية، التي ميزته بسيرة ذاتية صحفية لا مثيل لها ولم يحظ بها أي صحفي عربي، وتتمثل في رئاسة تحرير العديد من المجلات منها “الجيل، هي، آخر ساعة، أكتوبر، العروة الوثقى، مايو، كاريكاتير، الكاتب”.

التكريمات

كل ما قدمه أنيس منصور طوال حياته، يستحق أن يكرم كل يوم، وفي الواقع، حصد عشرات الجوائز وشهادت التقدير والأوسمة.

منحته جامعة المنصورة درجة الدكتوراه الفخرية، كما نال جائزة الفارس الذهبي من اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري، إلى جانب جائزة الدولة التشجيعية في مجال الأدب، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1981م، وجائزة الإبداع الفكري لدول العالم الثالث.

87 عامًا أمضاها منصور على وجه البسيطة، وفارق الحياة في 21 أكتوبر، تاركًا وراءه إرثًا بمثابة القنطرة التي نقلت المعارف الغربية إلى القارئ العربي.

 

حكاية أديب فقد السمع وكلماته تجري على الألسن وتسمعها الآذان حتى اليوم

محطات في حياة الأديب الراحل “علوي الصافي”

يوسف إدريس.. محطات من سيرة الطبيب الأديب وأمير القصة العربية