تضاعفت خدمات العالم الرقمي في السنوات القليلة الماضية، وتداخلت مع مناحي الحياة اليومية، حتى أحدثت نقلة نوعية في عالم الإعلانات والتسويق، من ناحية الوصول الأسهل للعملاء المحتملين، بتكاليف معقولة. لتزداد اعتمادية قطاع الأعمال في وقتنا الحالي على التسويق الإلكتروني بنسبة 91%.
التجارة الإلكترونية
يُشير مصطلح التجارة الإلكترونية إلى عمليات بيع وشراء السلع والمنتجات والخدمات سواء عبر الأفراد أو الشركات على الإنترنت، وتطور المفهوم ليشمل 4 أنواع رئيسية قُسمت حسب طبيعة الجهات التي تتم بينها عمليات التبادل التجاري.
رواج سوق التجارة الإلكترونية
تصاعد سوق التجارة الإلكترونية بشكل مطرد خلال الأعوام الماضية؛ ففي 2021 بلغ عدد المتسوقين عبر العالم 2.14 مليار، مقارنة بـ 1.8 مليار عام 2018. مرتفعا بنسبة 15.9% خلال 3 أعوام، وهي لمن يعلم أرقام واعدة.
كما ارتفعت مبيعاته من 3.35 تريليون دولار خلال عام 2019 إلى 4.92 تريليون دولار خلال عام 2021، ومن المتوقع أن يصل حجمها بانقضاء عام 2022 إلى 5.54 تريليون دولار، لتصل مبيعات التجزئة عبر الإنترنت إلى 20.3% من مبيعات التجزئة العالمية.
وتشير التقارير إلى أن تلك النسب آخذة في الارتفاع لتصل إلى 23.6% بحلول عام 2025، وذلك بحسب منصة شوبيفاي، إحدى أهم المنصات المتخصصة في إنشاء المتاجر الإلكترونية.
استراتيجيات التسويق الإلكتروني
أما عن استراتيجيات تسويق التجارة الإلكترونية، فهي تتشعب وتتنوع، بحسب الهدف المحدد، سواء كان هذا الهدف: جذب العملاء المحتملين أو زيادة التفاعل أو رفع الوعي بالعلامة التجارية وبناء المصداقية، ومن أشهر هذه الاستراتيجيات: التسويق عبر البريد الإلكتروني والتسويق عبر محركات البحث أو بالإحالة لموقع آخر أو على منصات التواصل الاجتماعي.
ولأن الحديث يطول حول استراتيجيات وحيل التسويق الإلكتروني.. نسلط الضوء في هذا التقرير على واحدة من أهم استراتيجيات التسويق في التجارة الإلكترونية وهي التسويق بالمحتوى.
التسويق بالمحتوى
تُعرف صناعة المحتوى في العالم الرقمي بأنها التعبير عن المنتج أو الخدمة من خلال مجموعة من الوسائط والأساليب المعبرة، فيتم ذلك إما من خلال الكلام أو من خلال الكتابة أو الصور أو من خلال الفنون المعبرة أو من خلال فيديوهات تعبر عن المحتوى بالشكل المناسب، فالفيصل هنا هو قدرة المحتوى على التعبير، لا إنتاج المحتوى نفسه.
وكدليل إضافي على أهمية هذا المنهج من مناهج التسويق، تشير أحدث بيانات موقع الإحصاءات العالمي statista إلى أن عائدات التسويق بالمحتوى وصلت إلى ما يقرب من 66 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تتضاعف تلك الإيرادات بحلول عام 2026. وبحسب استطلاع أُجري على عينة من المسوقين، عبر 66% منهم عن نيتهم رفع ميزانية التسويق بالمحتوى في 2022 مقارنة بـ 2021.
الوسائط المرئية
وبالنظر لما توضحه الأرقام والمؤشرات، نجد إن المحتوى المرئي وصل لنقطة صعود قياسية، إذ يشهد محتوى الفيديو القصير تفاعلًا وارتفاعا أكبر من أي وقت مضي؛ فقد تضاعفت مشاهدات الفيديو القصيرة على الإنترنت لكل شخص أسبوعيًا، من 10 ساعات ونصف في عام 2018 إلى نحو 19 ساعة أسبوعيا في 2022. وقد دفع هذا السلوك المسوقين إلى وضع محتوى الفيديو على قمة الوسائط المرئية المستخدمة في استراتيجياتهم للعام الثالث على التوالي، وللرسوم البيانية وصور الانفوجرافيك نصيب أيضا من ذلك التفاعل، إذ يستخدمها نحو 45% من المسوقين، ويخطط 38% منهم لرفع ميزانيتها خلال 2023.
التجارة الإلكترونية من وجهة نظر المتسوقين
على صعيد المتسوقين أنفسهم، لفتت البيانات التي تم جمعها إلى عدة استنتاجات قد تهم المسوقين.. أولها وأهمها: إذا كنت تسعى لرضا عملائك فعليك ضمان توفر المنتجات بشكل دائم في المخازن، إلى جانب سرعة شحنها وتسليمها؛ فهما أهم سمتين يقدرهما المستهلكون، إضافة إلى إشارة 49% منهم لعدم استكمال عمليات الشراء نتيجة وجود تكاليف إضافية.
على جانب آخر تشهد المدفوعات الإلكترونية رواجا؛ فنحو 45% من المتسوقين يستخدمون المحافظ الرقمية لإتمام عمليات الدفع.
ويؤكد 93% منهم أن الوسائط المرئية هي العامل الرئيسي الحاسم في قرار الشراء، إذ يعزز المحتوى المرئي معدلات التحويل بنسبة 3% لكل صورة من الوسائط المضافة. كما لفتت أحدث إحصائية حديثة، وما يدعوا للإعجاب أن عدد التحويلات للمتجر ارتفعت بنسبة 250% عن عرض صور ثلاثية الأبعاد للمنتج.
الصورة بألف كلمة
عندما يتعلق الأمر بسوق التجارة الإلكترونية المشبع بصريًا، تكشف العلامات التجارية أن القول المأثور القديم: “الصورة بألف كلمة صحيح.
للصور التي يستخدمها البائعون عبر الإنترنت تأثير كبير على حركة الزوار بمواقعهم الإلكترونية وإمكانية التحويل لصفحة المنتج.
بالنسبة للعلامات التجارية وتجار التجزئة، يكمن التحدي في فهم تفضيلات جمهورهم المستهدف الذي يتصفح أرففهم الرقمية، وجعل ما تراه هذه الجماهير من منتجات جميلًا في عيونها.
اختصارًا وكدليل على هذا التحدي.. إذا كنت تريد التسويق لسماعات الأذن، تٌري ما الصورة الأنسب التي ستستخدمها لجذب متسوقي الإلكترونيات؟ يمكن أن نجد إجابتنا لدى شركتي البيع بالتجزئة (Amazon) و(Walmart).
في النموذج التالي، يروج الاثنان لنفس المنتج، سماعة رأس (JLab Jbuds).
بالنظر لكيفية توظيف كل بائع منهم على حدة لصورة المنتج على صفحته، وباستخدام التحليلات المرئية لمحتوى الصورة والتأثير الذي تتركه لدى متسوقي الإلكترونيات، حقق المحتوى المرئي للمنتج لدى Amazon نقاطًا أعلى من ذلك الذي لدى Walmart، بفارق أكثر من 12 نقطة.. ما الذي يجعل المحتوى المرئي لدى أمازون أكثر جذبا لمتسوقي الإلكترونيات؟
اقتصاص الصورة الرئيسية
أدى اقتصاص صورة المنتج على اليسار لدى أمازون وتقليل المساحة البيضاء إلى جعلها تبدو أكبر نوعا ما بالنسبة لإطارها. تشير التحليلات إلى أن عرض الصور الأكبر ساعد في إبراز المنتج، وخاصة في الصفحات المليئة بالكثير من الصور الصغيرة الفرعية.
المزج بين الصورة والنص
يكشف التحليل المرئي المدفوع بالذكاء الاصطناعي أن المزج بين الصورة والنص يكون فعالا للغاية في أعين متسوقي الإلكترونيات، ليس ذلك فقط سبب تفوق صورة المنتج لدى Amazon، وإنما استخدام الخلفية متدرجة الألوان، وأيقونة الصوت، واستخدام اللون الأبيض في النص المكتوب ليبزر التضاد مع لون الخلفية.. كل ذلك يشير إلى أن العرض المرئي واللفظي والأيقوني المشترك يكتسب الكثير من الوزن لدى متسوقي الإلكترونيات.
لون الخلفية وحجم النص
حتى عندما يتعلق الأمر بمزج النص بالصورة، فيجب مراعاة عدة اعتبارات، حتى لا يتحول عامل الجذب إلى نقطة ضعف.. تظهر صورة منتج أمازون على اليمين صغر حجم النص بشكل تصعب معه قراءته، هذا مع لون الخلفية سبب شعور بالازدحام والنفور، على الجانب الآخر تظهر صورة Walmart عرض بسيط مجرد بخلفية بيضاء للمنتج.. تلفت التحليلات المرئية إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالصور الخالية من النماذج البشرية، فإن القليل يكون أكثر من كافي، خاصة بالنسبة للمتسوقين الذين يستعرضون منتجا جديدا عليهم.
اختيار العارضين وزاوية التصوير
للوهلة الأولى لا تبدو الصور مختلفة جدًا، خلفية بيضاء خالية من النص مع وضعية تصوير جانبية للعارضين، إلا أن هناك فارقًا كبيرًا في كيفية توظيف الصورة لخدمة الترويج للمنتج.. يظهر تفوق صورة (Walmart) ناحية اليسار على صورة نفس الشركة ناحية اليمين، فبقدر بساطتها يأتي وضوحها؛ إذ توفر اللقطة الجانبية المقربة للرأس صورة واضحة للمنتج، تتعرف عليه العين بمجرد رؤيته. على عكس الصورة ناحية اليمين، التي تبدو فيها وضعية التصوير أكثر ديناميكية مما يوجه تركيز العين بعيدا ويشتت النظر عن سماعة الأذن، التي تبدو بدورها أصغر حجما وأقل ظهورًا.
خاتمة
يغطي التقرير مقارنة واحدة ومنتج واحد، ولم يتوسع في سرد البيانات والمعلومات، إنما يهدف للإشارة إلى باب الذكاء الاصطناعي، من أجل فهم العوامل المؤثرة في جذب جمهور المستهلكين لكل قطاع من قطاعات البيع بالتجزئة، ويقدم مثالًا يمكن أن يفتح الباب أمام المسوقين نحو المزيد من البحث والدراسة في هذا المجال..
