ينتظر جمهور كرة القدم، وتحديدًا في قارة إفريقيا، انطلاق بطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، والمقرر إقامتها في الكاميرون مطلع 2022، من يوم 9 يناير حتى 6 فبراير.
بطولة متأرجحة
البطولة المنتظَرة يُطلِق عليها كثيرون: البطولة المتأرجحة، حيث شهدت العديد من الأزمات، كتأجيلها العام الماضي بسبب جائحة كورونا، والمطالبة بتأجيل هذه النسخة أيضًا بسب مخاوف أبرزها الحرب الأهلية في الكاميرون، وانتشار متحور “أوميكرون” في القارة السمراء.
ومن الأزمات التي تشهدها هذه البطولة، تعارض موعدها مع بطولة كأس العالم للأندية، بالإضافة إلى رغبة الأندية الأوروبية في تأجيل البطولة أو إلغائها، لتجنب ترك اللاعبين الأفارقة في منتصف الموسم، حيث تجبر لوائح “فيفا” الأنديةَ على إرسال اللاعبين إلى منتخباتهم الوطنية في البطولات الرسمية التي تقام تحت مظلة الاتحاد الدولي.
مخاوف من الحرب الأهلية
ومع اقتراب موعد إقامة البطولة تزداد المخاوف، خاصة بعد التهديدات التي أرسلها انفصاليو “الأنغلوفون”، في الكاميرون، لمنظمي البطولة، إذ هددوا باستهداف الملاعب والمنتخبات المشاركة في البطولة، لا سيما في المدن التي تقع تحت سيطرتهم، مثل “ليمبي” و”بويا”.
ويرى انفصاليو “الأنغلوفون” أن نجاح تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية نجاح للحكومة الكاميرونية التي تعد عدوتهم، بسبب الحرب الدائرة بينهم منذ سنوات.
كل هذه العوامل تجعل البطولة متأرجحة وعرضة للإلغاء أو التأجيل، على الرغم من تأكيد الاتحاد الإفريقي إقامتها في موعدها المحدد حتى هذه اللحظة.
كيف بدأت الحرب الأهلية بالكاميرون؟
تعرضت الكاميرون في عام 1884، للاستعمار الألماني الذي ظل مسيطرًا على البلاد حتى عام 1916، وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، قسمت “عصبة الأمم”، الكاميرون إلى جزئين، وسلمت جزءًا لفرنسا، والآخر لبريطانيا.
في عام 1960 حصلت المنطقة التي كانت تسيطر عليها فرنسا على استقلالها، وفي عام 1961 أجرى الجزء الكاميروني الخاضع لسيطرة بريطانيا، استفتاءً شعبيًا حول خيارين، الأول: الانضمام إلى الكاميرون المستقلة حديثًا من الحكم الفرنسي، والثاني: الانضمام إلى نيجيريا، ولم يكن هناك خيار يقضي بالاستقلال الكامل.
ونتيجةً للاستفتاء، انقسم الجزء الخاضع للسيطرة البريطانية إلى قسمين، فاختار النصف الشمالي الانضمام إلى نيجيريا، في حين اختار النصف الجنوبي الانضمام إلى الكاميرون المستقلة.
ومن حينها، أصبحت الكاميرون مقسمة إلى قسمين، جزء شرقي يتحدث الفرنسية، وآخر غربي يتحدث الإنجليزية، وكان وجود فريقين يمهد لنشأة العنصرية تجاه أحدهما، إذ أصبح سكان المناطق الناطقة بالإنجليزية يشعرون بالاضطهاد، حتى جاءت لحظة الانفجار وبدأت الحرب.
[two-column]
في سبتمبر 2019، أفصح الرئيس الكاميروني، “بول بيا”، عن رغبته في إجراء حوار وطني لإنهاء الصراع الذي أهلك البلاد، وهو الأمر الذي رحب به “أنطونيو غوتيريش”، الأمين العام للأمم المتحدة.
[/two-column]
فتيل الحرب
في عام 2016، وتحديدًا في شهر أكتوبر خرج سكان المناطق المتحدثة باللغة الإنجليزية في مظاهرات حاشدة، للمطالبة بالمساواة، خاصة أن تلك المناطق أقل تطورًا بكثير من نظيرتها الناطقة بالفرنسية، كما طالبوا بالتوقف عن معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وهو ما تجاهلته الحكومة المركزية الكاميرونية.
وتأزمت الأمور في مطلع العام الدراسي من نفس العام، عندما بدأت الحكومة المركزية بتغيير المناهج البريطانية “الإنجليزية” في النظام التعليمي بتلك المناطق إلى النموذج الفرنسي، وهو ما اعتبروه تبديدًا لثقافة اللغة.
في نهاية العام نفسه، دعا الناطقون باللغة الإنجليزية في البلاد إلى إعادة إنشاء “النظام الفيدرالي”، أو الانفصال عن الكاميرون الناطقة بالفرنسية، وتأسيس دولة مستقلة اسمها “أمبازونيا”.
لتظهر في الوقت ذاته العديد من الجماعات الانفصالية المسلحة، التي يبلغ مجموع أفرادها حوالي 4000 عضو، وأبرزها: “قوات الدفاع” في أمبازونيا، و”مجلس الدفاع عن النفس” في أمبازونيا، و”الحركة الشعبية لتحرير إفريقيا” وجناحها المسلح، و”قوات دفاع جنوب الكاميرون”.
وفي ديسمبر 2016، قُتل عدد من الأشخاص برصاص قوات الأمن في مدينة “باميندا”، الواقعة شمال غرب الكاميرون بالمنطقة الناطقة بالإنجليزية، وأصيب العشرات في الاشتباكات، وفشل الجيش في السيطرة على الوضع.
وشهد عام 2017 فصلًا جديدًا من الخلافات، بعد إعلان الزعيم الانفصالي، “سيسيكو جوليوس” قيام جمهورية “أمبازونيا” كدولة مستقلة، وتحديد الأول من أكتوبر عيدًا وطنيًا، باعتباره يوم التوحيد.
في سبتمبر 2019، أفصح الرئيس الكاميروني، “بول بيا”، عن رغبته في إجراء حوار وطني لإنهاء الصراع الذي أهلك البلاد، وهو الأمر الذي رحب به “أنطونيو غوتيريش”، الأمين العام للأمم المتحدة.
ومن جانبها رفضت الجماعات الانفصالية هذه الدعوة، واعتبرتها مجرد رغبة من الرئيس في تهدئة الأمور، دون إرادة حقيقية لحل الأزمة.
في مارس 2020، ازدادت الأمور سوءًا، بعد تكثيف الهجمات التي تشنها جماعة “بوكو حرام” الإرهابية على شمال شرق الكاميرون.
وأخيرًا عام 2021، الذي شهد أشرس هجمات الجماعات الانفصالية على المواقع التابعة للجيش الكاميروني، لتتواصل فصول الصراع المسلح بين الجانبين حتى الآن.
ويبقى التساؤل: هل تقام بطولة الأمم الإفريقية 2022 في موعدها؟ وهل ستنجح الحكومة الكاميرونية في تأمينها من هجمات الجماعات الانفصالية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة.
أمراض قتلت جرحى الحرب الأهلية الأمريكية