يعتبر انهيار الاتحاد السوفيتي من أكبر الأحداث السياسية التي شهدها العالم عبر التاريخ، فتفكك قوة عظمى مثل هذا الاتحاد، أدى للعديد من الانعكاسات على ميزان القوى الدولية، وعلى روسيا زعيمة الاتحاد وعلى الدول الأعضاء التي استقلت فيما بعد.
تحل اليوم في 26 من ديسمبر، ذكرى تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء اسطورته، ولكن بالطبع هناك العديد من العوامل والأسباب التي أدت لهذا التفكك سنستعرض معكم أهمها:
الانهيار الاقتصادي
يعتبر من أهم المشكلات التي واجهت الاتحاد، فالاقتصاد في البلاد السوفيتية كان مخططاً بشكل مركزي، بمعنى أن الحكومة في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، كانت تقرر كل شيء، سواء من حيث الانتاج أو حتى من حيث الحصص المخصصة للمواطنين، فالدولة تحدد عدد أرغفة الخبز التي يتم انتاجها و بيعها يوميًا، كما كانت تتحكم في كل شيء مثل انتاج السيارات، والملابس، أو حتى عدد أزواج الأحذية التي يتم تصنيعها.
الدولة كانت تتحكم في أسعار الانتاج وأسعار البيع، وبالرغم من أن هذا النظام نظريًا، قد يبدو عادلًا لكنه في الواقع كان بالكاد يعمل، وكان المواطنون يعانون دائمًا، لأن الطلب أعلى من العرض، و بالتالي هناك دائمًا شعور بالنقص والحاجة، وكان المال الذي يملكه المواطنون بلا قيمة، لأنه لا يفي باحتياجاتهم بسبب عدم توافرها.
ومن الأمور التي أجهدت الاتحاد السوفيتي اقتصاديًا، سباق استكشاف الفضاء، وسباق التسلح بين الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، والذي بدأ في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
وللوفاء بكل هذه التحديات كان الاتحاد السوفيتي يعتمد على موارده الطبيعية الهائلة من الغاز والنفط، قبل أن تنهار أسعار النفط في مطلع الثمانينيات لتزداد الأمور صعوبة.
ومن جانبه حاول “ميخائيل غورباتشوف”، أخر زعيم للاتحاد قبل انهياره، إجراء بعض الاصلاحات والتي عرفت وقتها باسم سياسة “الغلاسنوست”، أو “البيريسترويكا”، والتي كانت تهدف للانفتاح الاقتصادي، واتاحة الفرصة للحريات والتعبير عن الرأي، لكن الوضع في الاتحاد السوفيتي العملاق، كان عصياً على الإصلاح بسرعة، وظلت السلع الاستهلاكية شحيحة، وارتفع معدل التضخم بشكل كبير، وظل الاحباط يسيطر على السوفيتيين.
الأيديولوجيا
بعد قيام “غورباتشوف”، بتطبيق سياسة “الغلاسنوست”، والتي كانت تسعى لمنح المواطنين هامش أكبر من الحريات، تم فتح أرشيف الدولة، ورفع السرية عنه لتنكشف الحقائق التي تشير إلى حجم القمع الحقيقي، في عهد “جوزيف ستالين” -الزعيم السوفيتي بين عامي 1924 و 1953-، حيث قتل خلال تلك الفترة ملايين الأشخاص، بل وذهب “غورباتشوف”، إلى طرح فكرة التعددية الحزبية متحديًا الحزب الشيوعي، ولكن كل تلك المساعي كانت متاخرة، وزادت من احباط السوفيتيين واهتزت لديهم الأيديولوجيا التي عاشوا يؤمنون بها.
[two-column]
“الغلاسنوست”، أظهرت النزعة القومية للسوفيتيين تجاه بلدانهم المختلفة، وأصبحوا يميلون أكثر للاستقلال، فكان الاتحاد السوفيتي يتكون من 15 جمهورية، تتمتع نظريًا بحقوق متساوية كأشقاء، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك
[/two-column]
الروح القومية
بعد تطبيق “غورباتشوف”، لسياسة “الغلاسنوست”، ظهرت النزعة القومية للمواطنين تجاه بلدانهم المختلفة، وأصبحوا يميلون أكثر للاستقلال، فكان الاتحاد السوفيتي يتكون من 15 جمهورية، تتمتع نظريًا بحقوق متساوية كأشقاء، ولكن الحقيقة التي تكشفت بعد رفع السرية عن الكثير من الأمور، أن روسيا هي الأقوى والأكثر سيطرة، بل وكانت شريكة في قمع العديد من الجمهوريات الموجودة في الاتحاد، مثل المجاعة الأوكرانية في الثلاثينيات من القرن الماضي، والاستيلاء على دول البلطيق، وغرب أوكرانيا، بموجب اتفاقية الصداقة السوفيتية النازية، والترحيل القسري للعديد من المجموعات العرقية، خلال الحرب العالمية الثانية.
كل ما سبق أدى لتعزيز النزعة القومية لدى شعوب الدول السوفيتية، ومطالبتهم بالاستقلال وحق تقرير المصير، وبالتالي تحطمت فكرة أن الاتحاد السوفيتي هو تجمع عظيم لأمم سعيدة.
فقدان السيطرة على القلوب والعقول
في أواخر الثمانينيات كان السفر والاتصال المباشر بين الناس العاديين قد نما، وبالتالي تبين للمواطن السوفيتي العديد من الأمور، أهمها أن أحوال الأوروبيين في الغرب، أفضل بكثير منه، بعد أن كان يعتقد أن الغرب متعفن ويعيش في فقر وذل ومهانة بسبب الحكومات الرأسمالية، وفق ما كانت تروج الحكومة السوفيتية.
كما تمكنوا من رؤية ما حاولت سلطات بلادهم إخفاءه عنهم لسنوات، من خلال حظر السفر الدولي، والتشويش على المحطات الإذاعية الأجنبية، مثل الخدمة العالمية في “بي بي سي”، وفرض الرقابة على أي أدب أوأفلام أجنبية تدخل الاتحاد السوفيتي.
النهاية
كل تلك العوامل أدت مجتمعة، لانهيار أكبر قوة عظمى في العالم في ذلك الوقت، وتقدم “ميخائيل غورباتشوف”، باستقالته من رئاسة الاتحاد السوفيتي في 25 ديسمبر 1991، وفي اليوم التالي 26 ديسمبر، اعترف البرلمان باستقلال 15 دولة عن الاتحاد، وتم انزال العلم الأحمر الذي يحمل المطرقة والمنجل من فوق قصر الكرملين.
في مثل هذا اليوم.. حل الاتحاد السوفيتي وإعادة افتتاح أبراج الكويت
هل استغلت أمريكا أفلام “حرب النجوم” للقضاء على الاتحاد السوفيتي؟
الصراع على أوكرانيا.. مخاوف من حرب روسية غربية محتملة في 2022