في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يومًا، في محاولة لإعادة ترتيب أوراق التفاوض مع الشركاء التجاريين.
يأتي تعليق الرسوم الجمركية المؤقت في خضم تصاعد التوترات التجارية التي دفعت بأسواق المال إلى حالة من التذبذب والقلق.
تصعيد متزامن.. رفع الرسوم على الصين إلى 125%
رغم إعلانه التهدئة المؤقتة، لم يتوانَ ترامب عن التصعيد، حيث صرّح في الوقت نفسه برفع الرسوم الجمركية المفروضة على الصين إلى 125%، معتبرًا أن بكين “لم تحترم قواعد الأسواق العالمية”.
ووصف بعض المحللين تلك الخطوة بأنها ضربة مزدوجة، تجمع بين الجزرة والعصا في السياسة التجارية.
وقال ترامب: “أُعلن رسميًا رفع التعريفة الجمركية على الصين، ونأمل أن تدرك قريبًا أن استغلالها للأسواق الأميركية لن يستمر للأبد”.
الأسهم الأميركية تستجيب.. قفزات مؤقتة ولكن غير مضمونة
عقب إعلان الرئيس ترامب، شهدت مؤشرات الأسهم الأميركية صعودًا حادًا، حيث قفز مؤشر داو جونز بـ2300 نقطة، بارتفاع قدره 6.2%، بينما ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 7%، وتفوق مؤشر ناسداك بنسبة 8.5% مدفوعًا بانتعاش أسهم التكنولوجيا، ارتفعت أسهم مثل Apple وNvidia وTesla بأكثر من 6%، مما يشير إلى أن المستثمرين قد يبحثون عن الصفقات بينما الأسهم رخيصة نسبيًا.
وعلى الرغم من هذا الانتعاش، يحذّر محللون اقتصاديون من أن هذه الاستجابة الإيجابية للأسواق قد لا تكون سوى مؤقتة، إذ لا تزال الرسوم الجمركية المفروضة على الصين سارية، بل ومتصاعدة، ما يعزز التوقعات بحدوث ركود اقتصادي في الأفق.
“فنّ الصفقة” أم سياسة اقتصادية مقلقة؟
برّرت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، القرار بأنه جزء من “تكتيك تفاوضي”، مشيرة إلى أن كثيرًا من الإعلام “لم يفهم بعد فنّ إبرام الصفقات”، في إشارة إلى كتاب “ترامب: فن الصفقة”.
ورفضت المتحدثة باسم البيت الأبيض المخاوف من أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تقارب الدول الأخرى مع الصين، مؤكدة أن “العالم ما زال يخاطب واشنطن، وليس بكين”.
أوروبا والصين تردّان.. والمخاوف تتزايد
في مقابل قرار ترامب، أعلنت الصين عن إجراءات انتقامية، فيما صرّح الاتحاد الأوروبي بتدابير مضادة، ما يجعل من المشهد التجاري الدولي أكثر هشاشة.
ويخشى مراقبون أن تؤدي هذه السياسات إلى تفكك النظام التجاري العالمي المبني على التعاون والانفتاح، خاصة في ظل بقاء الرسوم الجمركية كأداة مركزية في استراتيجية ترامب الاقتصادية.
نافارو: نريد تسوية شروط اللعب
من جانبه، دافع المستشار التجاري بيتر نافارو عن قرار ترامب، مؤكدًا أن الهدف من هذه الإجراءات هو “خفض العجز التجاري وتسوية شروط المنافسة”.
وأوضح نافارو أن الرئيس ترامب يسعى لإعادة التوازن إلى الساحة التجارية الدولية، حيث قال: “من يقللون من شأن هذه الخطوات يستخفون بقدرة الرئيس على عقد صفقات استراتيجية”.
الركود قادم رغم التعليق المؤقت للرسوم الجمركية
الخبير الاقتصادي جو بروسويلاس كان له رأي أكثر تشاؤمًا، حيث يرى أنه بالرغم من تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، فإن الاقتصاد الأميركي ما زال على حافة الركود، وأن التأجيل لن يمنع موجة من الضرائب العقابية التي قد تؤثر بشدة على الموردين والمستهلكين معًا.
وأشار بروسويلاس إلى أن شركات أميركية بدأت بالفعل في رفع الأسعار نتيجة عدم اليقين، مضيفًا أن العديد من المصدرين سيتوقفون عن الشحن بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم الجمركية الجديدة، مما يخلق صدمة سلبية في العرض.
إلى أين تتجه السياسة التجارية الأميركية؟
من الواضح أن الرسوم الجمركية لم تعد مجرد أداة اقتصادية، بل أصبحت ورقة سياسية تستخدم في لعبة النفوذ الدولي، وبينما يرى البعض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستخدم هذه الورقة بذكاء لتحقيق مكاسب تفاوضية، يرى آخرون أن الاعتماد المفرط على الرسوم الجمركية قد يُقوّض ثقة الشركاء التجاريين في الولايات المتحدة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي والعالمي.
وبينما يدخل الاقتصاد العالمي مرحلة غير مسبوقة من التقلّب، تبقى التساؤلات مطروحة: هل سيكون تعليق الرسوم الجمركية بداية لمرحلة من التهدئة، أم مجرّد استراحة قبل موجة جديدة من التصعيد؟
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| المفاوضات الأمريكية مع إيران.. أبرز أهداف ترامب
إنفوجرافيك| تأثيرات رسوم ترامب الجمركية على سوق السيارات
إنفوجرافيك| أسباب تراجع أسعار النفط