أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مكالمات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، أمس الأربعاء، ناقش فيها تفاصيل الصراع، وطلب من مسؤوليه بدء المحادثات لإنهاء حرب أوكرانيا المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وقال ترامب إن بوتين وزيلينسكي عبرا عن رغبتيهما في السلام، وأن الرئيس الروسي لا يرغب في وقف مؤقت لإطلاق النار ثم العودة للصراع بعد 6 أشهر. فيما أعلن الكرملين أن بوتين وترامب اتفقا على اللقاء الذي من المرجح انعقاده في السعودية قريبًا. وجاءت المكالمات الهاتفية في أعقاب إبلاغ وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، حلفاء أوكرانيا العسكريين في بروكسل أنه من الصعب العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014، أي قبل استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم التي تعتبرها أوكرانيا أراض تابعة لها محتلة.
وأكدت هيجسيث أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي لن تكون ضمن الحلول المقترحة لإنهاء الصراع، كما أن وجود القوات الأمريكية في أوكرانيا لن يكون ضمن أي خطط لإرساء الأمن هناك، وفق هيجسيث. وهذا يشير إلى تحول واضح في نهج واشنطن تجه الصراع, مضيفًا أن الضمانات الأمنية يجب بدلًا من ذلك أن تكون مدعومة “بقوات أوروبية وغير أوروبية قادرة” ويجب نشر تلك القوات كجزء من مهمة غير تابعة لحلف شمال الأطلسي أو حتى تحت المادة “5” منه التي تُشير للاتفاق الدفاعي المشترك.
وقال ترامب في منشور على موقعه على وسائل التواصل الاجتماعي إن وزير الخارجية ماركو روبيو ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف ومستشار الأمن القومي مايكل والتز ومبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف سيقودون المفاوضات لإنهاء الحرب.
هدايا أمريكية لروسيا
أبدى مراقبون استغرابهم من التنازلات أو ما أطلقوا عليها “هدايا” أمريكية إلى روسيا حتى قبل بدء المفاوضات لإنهاء الحرب، وتساءل السفير الأمريكي السابق في روسيا في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما من عام 2012 إلى عام 2014، مايكل ماكفول عن استراتيجية إدارة ترامب تجاه روسيا وأوكرانيا قبل المفاوضات الوشيكة.
وكتب ماكفول على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” قائلا: “لماذا تقدم إدارة ترامب لبوتن هدايا – أراض أوكرانية وعدم عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي – قبل أن تبدأ المفاوضات حتى؟، لقد تفاوضت مع الروس. لا يمكنك التنازل لهم عن أي شيء مجانًا”.
وبعد 3 سنوات من الحرب، تفرض روسيا سيطرتها على حوالي خمس مسحة أوكرانيا، وطالبت موسكو كييف من قبل بالتزام الحياد دون أي اتفاق سلام، في نفس الوقت تطالب أوكرانيا روسيا بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها وتسعى للحصول على عضوية حلف الناتو إلى جانب ضمانات لمنع موسكو من شن هجمات جديدة. وأعلن بوتين أكثر من مرة أنه على استعداد لإجراء مفاوضات مع أوكرانيا لإنهاء الحرب، ولكنه في نفس الوقت ملتزم بضمان نزع السلاح والحياد في أوكرانيا. وفي حين أشار مسؤولو إدارة ترامب منذ بعض الوقت إلى أنهم لن يدعموا جميع أهداف أوكرانيا، فإن تصريحات هيجسيث وترامب هزت الحلفاء الأوروبيين.
“تخلي عن أوكرانيا”
وصف وزير خارجية ليتوانيا السابق، جابريليس لاندسبيرجيس، التصريحات الأمريكية بأنها “تخلي عن أوكرانيا”، وكتب على حسابه عبر منصة X “لا عضوية في الناتو ولا تواجد على الأرض”، وذلك ردًا على تعليقات هيجسيث والتي جاءت قبل مؤتمر ميونيخ للأمن للقادة السياسيين والعسكريين في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وعندما سُئل ترامب في وقت لاحق من يوم الأربعاء عما إذا كانت تصريحات هيجسيث قد انتزعت أي نفوذ للولايات المتحدة، قال ترامب للصحفيين: “أنا أدعم أوكرانيا”. من جانبها، قالت القوى الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يوم الأربعاء إنها يجب أن تكون جزءًا من أي مفاوضات مستقبلية بشأن مصير أوكرانيا، مؤكدة أن اتفاقًا عادلًا مع ضمانات أمنية فقط من شأنه أن يضمن السلام الدائم. وقالت إنها مستعدة لتعزيز الدعم لأوكرانيا ووضعها في موقف قوة.
ويعتبر الكثيرون أن التصريحات الأمريكية تُعتبر بمثابة نهج جديد في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، خصوصًا بعد الدعم الذي قدمته الإدارة الأمريكية السابقة لكييف بمليارات الدولارات في عهد الرئيس السابق جو بايدن منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022. وظلت إدارته ثابتة على مطالبها بانسحاب روسيا وأبقت على احتمالية انضمام أوكرانيا إلى الناتو.
كما تعرضت روسيا لعزلة دبلوماسية في الأمم المتحدة، حيث صوتت ثلاثة أرباع الجمعية العامة التي تضم 193 عضوًا مرارا وتكرارا على إدانة غزو موسكو لأوكرانيا والمطالبة بسحب قواتها. ولكن من المقرر أن يمثل اللقاء المرتقب في السعودية بين ترامب بوتين دفعه قوية للأخير الذي يواجه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بسبب أفعاله في أوكرانيا.
المعادن مقابل الأمن
جاءت مكالمة ترامب في أعقاب زيارة قام بها وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إلى كييف، قال خلالها إن إبرام صفقة مع كييف للاستفادة من احتياطي معادنها النادرة يمكن أن يوفر لها الحماية الأمنية بعد الحرب. وقال ترامب يوم الأربعاء، إن هذه الصفقة تضمن وجود مقابل للخدمات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا من مساعدات عسكرية وغيرها، قائلاً: “أخبرت بايدن، بأنه يجب أن تطلب إما قرضًا أو نوعًا من الضمانات، مثل النفط والغاز أو شيء من هذا القبيل مقابل المال”.
وفي حين أن أوكرانيا كانت تسعى لاسترداد جميع أراضيها بالقوة خلال الحرب، إلا أنها أدركت مؤخرًا أن هذا الأمر غير قابل للتطبيق، ومن الأفضل الاتجاه للحلول الدبلوماسية التي تُعتبر أكثر واقعية في هذا التوقيت. وقال جون هيربست، السفير الأميركي في أوكرانيا بين عامي 2003 و2006 في عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، إن الولايات المتحدة فقدت بعض نفوذها لدى روسيا، لكن زيارة بيسنت إلى كييف كانت إشارة إيجابية، ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق سريع بشروط غير متكافئة من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة.
وقال النائب البريطاني ووزير الخارجية الأسبق جيمس كليفرلي إن البدء في المفاوضات بتحديد ما ينبغي على أحد الجانبين التخلي عنه “ليس خطوة قوية، مشيرًا إلى أن إعطاء انطباع بأن الغزو والاحتلال قد يؤتي ثماره هو أمر خطير ، والأفضل أن نرسل رسالة مفادها أن العنف والعدوان لا ينتصران.
اقرأ أيضًا:
بعد مكالمة ترامب وبوتين.. هل ستنتهي الحرب في أوكرانيا قريبًا؟