بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية بسلسلة من الإجراءات التي تعكس رغبته في تحقيق انتقام سياسي غير مسبوق، مستهدفًا خصومه داخل الحكومة وخارجها.
شملت هذه التحركات إلغاء التصاريح الأمنية لشخصيات استخبارية بارزة، وإنهاء التفاصيل الأمنية لبعض المسؤولين السابقين، والترويج لسياسات تعيد تشكيل الحكومة الفيدرالية وفق رؤيته، حيث أصدر ترامب، في أول أسبوع من ولايته الثانية، أوامر تنفيذية ألغى من خلالها التصاريح الأمنية لـ51 مسؤولًا استخباريًا سابقًا، بينهم شخصيات بارزة مثل «جيم كلابر» المدير السابق للاستخبارات الوطنية، و«جون برينان» المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية.
ووقع هؤلاء المسؤولون على رسالة في عام 2020 عدّت أن تسريبات البريد الإلكتروني الخاص بـ«هنتر بايدن» تحمل «ملامح عملية تضليل روسية»، وهو ما أثار استياء ترامب وجعله يستهدفهم مباشرة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل إنهاء التفاصيل الأمنية لمستشار الأمن القومي السابق «جون بولتون»، ووزير الخارجية الأسبق «مايك بومبيو»، وكذلك الدكتور «أنتوني فاوتشي»، الذي قاد جهود مكافحة جائحة كورونا.
وبرر ترامب قراراته بأن هؤلاء الأشخاص، وفقًا لتعبيره، «حققوا أرباحًا كبيرة ويمكنهم تأمين أنفسهم بأنفسهم».
كيف تترجم هذه التحركات وعود ترامب الانتخابية؟
لم يُخفِ ترامب، طوال حملته الانتخابية، رغبته في استهداف ما أسماه «الدولة العميقة» وخصومه السياسيين، وأوفى بوعده هذا سريعًا من خلال إصدار أوامر تنفيذية تتيح تسهيل فصل الموظفين الفيدراليين، وفرض مراجعات على سياسات العمل عن بُعد في الوكالات الحكومية، بالإضافة إلى وضع موظفي مكاتب التنوع والشمول في إجازة إدارية مدفوعة، وهي خطوة تُظهر رفضه لسياسات إدارات سابقة ركزت على المساواة والتنوع.
وعلى صعيد آخر، استخدم ترامب منصته «Truth Social» لإعلان إقالة شخصيات معروفة علنًا، مثل رئيس هيئة الأركان السابق «مارك ميلي»، الذي وصف ترامب في السابق بأنه «فاشي حتى النخاع». كما أقال «خوسيه أندريس»، الشيف الشهير، وأعضاء آخرين في المجالس الاستشارية الرئاسية.
هل هذه الإجراءات جزء من انتقام أوسع؟
أثارت تصريحات ترامب خلال مقابلاته الأخيرة الكثير من الجدل، حيث عبر عن رغبته في تحقيق ما وصفه بـ«العدالة» ضد من اعتبرهم خصومًا سياسيين. وفي مقابلة مع «فوكس نيوز»، قال: «عانيت لأربع سنوات على يد هؤلاء. من الصعب القول إنهم لا يستحقون المعاملة نفسها».
وتعهد ترامب بفتح تحقيقات موسعة ضد إدارة بايدن، مستهدفًا ما وصفه بـ«تسليح الأجهزة الأمنية».
كما أصدر أمرًا بعفو جماعي عن أكثر من ألف شخص متورط في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، وهو ما وصفه النقاد بمحاولة لإعادة كتابة التاريخ وتبييض صورة أنصار.
ما التداعيات المحتملة لهذه التحركات؟
أعادت إجراءات ترامب إشعال النقاش حول استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية وتنفيذ أجندة سياسية انتقامية.
وتهدد هذه القرارات بتفاقم الانقسام السياسي في الولايات المتحدة وتعريض الاستقرار المؤسسي للخطر. كما أن تعمده استهداف شخصيات بارزة من إدارة بايدن قد يؤدي إلى ردود فعل سياسية وقانونية قد تستمر لسنوات.
على المستوى الدولي، تُتابع الدول هذه التحركات عن كثب، خاصة أنها تُثير تساؤلات حول مصير سيادة القانون في ظل ولاية جديدة تبدو أكثر عدوانية تجاه المعارضين السياسيين. في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبقى السؤال الأكبر: هل ستقود سياسات ترامب إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الأمريكي، أم أنها ستزيد من عمق أزماته؟