في ظل التوترات الاقتصادية وتغيرات المناخ المتسارعة، أصبح التضخم الغذائي ظاهرة تضرب بقوة الاقتصادات الهشة حول العالم، فتتفاقم معاناة الشعوب الأكثر ضعفًا واحتياجًا.
وتشهد دولًا كثيرًا من أمريكا الجنوبية مرورًا بأفريقيا ووصولًا إلى الشرق الأوسط ارتفاعات مذهلة في أسعار الغذاء تهدد الأمن الغذائي وتزيد من حدة الأزمات المعيشية.
أزمة متعددة الأبعاد
وتتصدر الأرجنتين قائمة الدول الأكثر معاناة من التضخم الغذائي، حيث بلغت نسبة الارتفاع في أسعار المواد الغذائية 183% خلال الفترة بين سبتمبر وأكتوبر 2023-2024.
ويعد هذا الارتفاع الأكبر عالميًا، لكنه لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة حتمية لمزيج من العوامل، أبرزها الانهيار الكبير لقيمة العملة المحلية، والجفاف الشديد الذي ضرب البلاد وأثر على الإنتاج الزراعي، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يزيد الطين بلة.
وتشير التوقعات إلى استمرار معاناة الأرجنتينيين في المستقبل القريب، حيث من المتوقع أن تصل نسبة التضخم الغذائي إلى 120% خلال الربع الثاني من عام 2025، ما يجعل التحديات أمام الحكومة والشعب أكثر تعقيدًا.
المأساة الفلسطينية
على الجانب الآخر، تسجل فلسطين ثاني أعلى معدلات تضخم غذائي بنسبة 115%، نتيحة لسياق متشابك من التحديات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، التي أثرت بشكل مباشر على إمدادات الغذاء وارتفاع أسعاره، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي الذي يدخل عامه الثاني.
ومع ذلك، تبدو التوقعات أكثر تفاؤلًا، إذ يُتوقع انخفاض كبير في هذه النسبة إلى 12% بحلول منتصف 2025، مما يعكس احتمالات تحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل نسبي رغم استمرار التحديات.
قارة تحت وطأة التضخم
تتصدر دول أفريقية عدة قائمة الدول الأكثر تأثرًا بتضخم الغذاء، وهو ما يعكس واقعًا قاسيًا يعيشه سكان القارة السمراء، حيث تتربع زيمبابوي في المركز الثالث بنسبة تضخم غذائي بلغت 105%، تليها جنوب السودان بنسبة 96%.
ويواجه هذان البلدان تحديات مركبة تشمل ضعف البنية التحتية الزراعية والاعتماد الكبير على الواردات وسط أزمات اقتصادية ممتدة.
وفي مناطق أخرى من أفريقيا، تظهر دول مثل مالاوي بنسبة تضخم 44%، ونيجيريا عند 39%، بينما سجلت أنجولا نسبة 34%، ما يؤكد أن القارة تعاني من أزمة غذائية متفاقمة تهدد الملايين.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتواجه مصر، التي تعد واحدة من أكبر الدول المستوردة للغذاء، تضخمًا غذائيًا بنسبة 27%، ويرتبط ذلك بتأثيرات اقتصادية متعددة تشمل أزمة العملة وارتفاع تكاليف الواردات الغذائية، مما يزيد الضغوط على الأسر ذات الدخل المنخفض. وهذه الزيادة في الأسعار تمثل عبئًا إضافيًا على الأفراد والعائلات، الذين يجدون أنفسهم أمام تحديات قاسية من أجل توفير قوتهم اليومي.
وفي هذا السياق، تصبح الحلول المستدامة أمرًا ملحًا وضروريًا لمواجهة تلك الأزمات. فالتضخم الغذائي ليس مجرد أرقام؛ إنه انعكاس ملموس لأزمات تعصف بالاقتصادات النامية، حيث يشكل الغذاء جزءًا كبيرًا من ميزانيات الأسر في هذه الدول، مما يجعل أي ارتفاع في الأسعار كارثة إنسانية قد تؤدي إلى تفشي الجوع وزيادة التدهور في الأمن الغذائي، ومن هنا، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات شاملة تسعى لتعزيز الاستدامة في الإنتاج الزراعي وتخفيف الضغط على سلاسل الإمداد الغذائية.