صحة

هل يمكن للعب في التراب أن يحمي الأطفال من الأمراض؟

اللعب في التراب

«لا تلعب في التراب» جملة سمعها الكثيرون من أهاليهم أثناء طفولتهم في إطار التحذير من الإصابة بالأمراض، ولكن يبدو أن العلم لديه وجهة نظر مختلفة تمامًا، حيث إن العديد من الدراسات تشير إلى أن تعرض الأطفال للتراب قد يكون أكثر من مجرد تسلية بريئة، بل ربما يحمل فوائد صحية مهمة تعزز مناعتهم وتحميهم من الأمراض المزمنة مثل الحساسية وأمراض المناعة الذاتية.

ويعزى ذلك إلى دور بيئي هام تلعبه هذه الممارسات البسيطة في تحفيز جهاز المناعة على العمل بكفاءة أكبر، فبينما يكتسب الأطفال المزيد من التعرض للعوامل البيئية، يتعلم جهازهم المناعي التمييز بين الخلايا الخاصة بالجسم وبين المواد الخارجية.

التراب كأداة صحية

تبدأ رحلة بناء جهاز المناعة لدى الأطفال منذ الولادة، حيث يتعلم هذا النظام الحيوي التعرف على الفرق بين خلايا الجسم والمكونات الخارجية، سواء كانت ضارة مثل البكتيريا المسببة للأمراض، أو غير ضارة، وتلعب الميكروبات المفيدة دورًا محوريًا في هذه العملية، إذ تشكّل الإشارات الجزيئية القادمة من «الميكروبيوم»، وهو مجموعة الكائنات الدقيقة التي تعيش في الأمعاء، عاملًا أساسيًا في تعزيز الذراع التنظيمي للمناعة.

ويتطور «الميكروبيوم» الذي نحصل عليه جزئيًا أثناء الولادة الطبيعية ومن خلال الرضاعة الطبيعية، بشكل كبير خلال السنة الأولى من عمر الطفل. ومع نمو الطفل، يصبح التعرض لمجموعة متنوعة من الميكروبات عاملًا أساسيًا في تنويع هذا المجتمع الميكروبي وتحسين صحة جهاز المناعة.

وتشير نظرية «الأصدقاء القدامى»، التي اقترحها البروفيسور جراهام روك عام 2003، إلى أن تعرض الأطفال في سنواتهم الأولى لمجموعة واسعة من الميكروبات الصديقة يعزز من تنوع الميكروبيوم لديهم، مما يُمكن جهاز المناعة من التعرف على «الأصدقاء» و«الأعداء» بشكل أفضل، وقد يكون هذا التنوع مفتاحًا لحماية الأطفال من الحساسية وأمراض المناعة الذاتية.

وتختلف هذه النظرية عن «فرضية النظافة»، التي تركز على أن قلة التعرض للجراثيم تجعل جهاز المناعة أكثر عرضة للأمراض، بدلًا من ذلك، تؤكد نظرية «الأصدقاء القدامى» أهمية الميكروبات المفيدة غير المعدية، دون التقليل من أهمية النظافة الصحية.

دراسات تدعم النظرية

تؤكد الأبحاث في أوروبا هذه الفرضية، فعلى سبيل المثال، أظهرت تجربة في فنلندا أن الأطفال الذين لعبوا في مناطق بها تربة مأخوذة من غابات، خلال شهر واحد فقط، طوروا تنوعًا أكبر من البكتيريا المفيدة على بشرتهم، بالإضافة إلى زيادة في خلايا المناعة التنظيمية في دمائهم.

وفي السويد، كشفت دراسة نُشرت عام 2024 أن الأطفال الذين نشأوا على مزارع الألبان أو عاشوا في منازل بها حيوانات أليفة، لديهم معدلات أقل من الحساسية مقارنة بمن لا يتعرضون لهذه البيئة، كما وجدت الدراسة أن هؤلاء الأطفال يمتلكون ميكروبات أكثر فائدة في أمعائهم، ما يربط بين البيئة الغنية بالميكروبات والصحة المناعية.

احتياطات ضرورية

لكن، وبالرغم من الفوائد المحتملة للعب في التراب، يجب توخي الحذر في بعض الحالات، فالتراب في المناطق الملوثة قد يحتوي على ملوثات خطيرة مثل الرصاص أو الطفيليات، مما يجعله ضارًا للأطفال، كما أن التعرض المفرط لبعض أنواع التراب قد يؤدي إلى استنشاق أو ابتلاع مواد ضارة.

ويشدد الدكتور روبرت وود، أستاذ طب الأطفال في جامعة جونز هوبكنز، على أهمية اللعب في الهواء الطلق لكنه ينبه إلى ضرورة ضمان سلامة البيئة المحيطة. فاللعب في التراب الآمن قد يكون وسيلة لتعزيز المناعة، ولكن دون المساومة على صحة الطفل.