علوم

يبلغ وزنه مليارات الأطنان.. لماذا لا يسحقنا الغلاف الجوي؟

الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية

يمتد الغلاف الجوي فوق الأرض كطبقة ضخمة تزن بلايين الأطنان، ويبلغ الحد الفاصل بينه وبين الفضاء الخارجي، المعروف بخط كارمان، حوالي 100 كيلومتر فوق سطح الكوكب، لكن الغالبية العظمى من كتلته -حوالي 99.9%- تتركز ضمن أول 48 كيلومترًا من السطح، وفقًا لأنتوني بروكولي، أستاذ علوم الغلاف الجوي بجامعة روتجرز.

الهواء المحيط بنا خفيف مقارنة بأجسادنا، لكن تراكمه في طبقات الغلاف الجوي يشكل ضغطًا هائلًا على كل سنتيمتر من أجسادنا، على سبيل المثال، العمود الهوائي الذي يغطي منطقة بقطر قدم واحدة يزن نحو 754 كيلوجرامًا. فكيف لا تسحقنا هذه الكتلة الهائلة من الهواء؟

توازن دقيق للقوى

يكمن السر في توزيع الضغط، حيث يحيط بنا الهواء من كل الاتجاهات، ويؤثر الضغط الجوي بالتساوي على كافة أجزاء الجسم، بدلًا من أن يكون قوة واحدة عمودية تضغط للأسفل. هذا التوزيع المتساوي يمنع حدوث أي تأثير ساحق.

ومع ذلك، فإن القوة الناتجة عن الضغط الجوي ليست بسيطة؛ فهي تعادل حوالي 14.7 رطلًا لكل بوصة مربعة (1 كيلوجرام لكل سنتيمتر مربع)، أي ما يعادل وزن كرة بولينج كبيرة تضغط على كل بوصة مربعة من سطح الجسم، ورغم أن هذه القوة المستمرة تبدو هائلة، فإن أجسامنا مصممة لتتحملها.

ووفقًا لمايكل وود، أستاذ العلوم الكمية بجامعة كانيشيوس، تطورت أجسام البشر والكائنات الحية الأخرى عبر ملايين السنين لتتكيف مع هذا الضغط، حيث يوازن الهواء داخل أجسادنا، في الرئتين والأنسجة، الضغط الخارجي بشكل دقيق، مما يجعل القوى متعادلة فلا نشعر بهذا الحمل.

لكن ماذا يحدث عند فقدان هذا التوازن؟

إذا تم سحب الهواء من منطقة معينة من الجلد، كما يحدث عند استخدام فوهة مكنسة كهربائية على اليد، تشعر بضغط الهواء المتبقي يضغط بقوة على هذه المنطقة، مما يعكس أهمية الهواء المحيط في توزيع الضغط بالتساوي.

ضغط الهواء وتغير الارتفاع

يتناقص الضغط الجوي تدريجيًا مع الارتفاع، لأن كثافة الهواء تقل مع الصعود بعيدًا عن سطح الأرض، ولهذا السبب يشعر الناس بفرقعة في آذانهم أثناء صعود الطائرات أو نزولها؛ حيث يحاول الجسم معادلة الضغط الخارجي مع الضغط الداخلي في الأذن.

هذه العملية التي تبدو بسيطة هي تذكير بأن أجسامنا تخوض باستمرار معركة دقيقة للحفاظ على توازنها مع البيئة المحيطة.

وفي الفضاء الخارجي، حيث يقترب الضغط من الصفر، تتلاشى هذه التوازنات الحيوية، ويقول وود إن عدم وجود ضغط خارجي يجعل الضغط الداخلي في أجسادنا قوة مدمرة؛ فالهواء والغازات داخل الجسم تتوسع، مما يؤدي إلى تمدد الجسم بشكل يشبه البالون، ما لم يتم احتواء ذلك ببدلة فضائية متخصصة، ويوضح هذا الدور الحيوي للضغط الجوي في الحفاظ على استقرار الأجسام البشرية.

صديق أم عدو؟

قد يبدو الضغط الجوي قوة ساحقة إذا فكرنا في حجمه الكلي، الذي يعادل 5.1 مليار مليار كيلوجرام، ومع ذلك، فإن حياتنا اليومية تعتمد عليه بطرق لا نراها. إنه يحافظ على توازن السوائل في أجسامنا، ويمنع تمدد الأنسجة بشكل غير طبيعي، ويسمح لنا بالتنفس بشكل طبيعي في بيئة متوازنة تمامًا.

وبناء على ذلك فإن الغلاف الجوي ليس مجرد غطاء يحيط بالكوكب، بل نظام ديناميكي يعمل بتوازن مدهش للحفاظ على الحياة. من توازن الضغط إلى دوره في حماية الأرض من الإشعاعات الكونية، يظهر الغلاف الجوي كأحد أعظم أمثلة الطبيعة على التوازن الدقيق الذي يسمح لنا بالعيش، فبدلًا من أن نسحق تحت وزنه، نحن نحيا من خلاله.