الشعور بالوحدة إحساس مُنهِك يؤثر على الصحة العقلية والبدنية بشكل كبير، وهو شائع بين أغلب الأفراد حول العالم، ففي عام 2019، أبلغ 3 من كل 5 أشخاص أنهم عانوا من الوحدة، وقد أدّت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذه الأزمة؛ إذ وجد استطلاع أجرته جامعة هارفارد في أكتوبر 2020 أن 73% من المشاركين فيه شعروا بالوحدة في بعض الأحيان على الأقل، بينما شعر أكثر من ثلث المشاركين فيه بالوحدة «بشكل متكرر» أو «طوال الوقت تقريبًا» أو «طوال الوقت».
لماذا نشعر بالوحدة؟
الشعور بالوحدة ينبع من التفاوت بين ما ترغب به في علاقاتك وما تحصل عليه بالفعل، وعلى الرغم من أن هذا التفاوت قد يتجلّى كميًا (مثال: عدم امتلاك عدد الأصدقاء الكافي من وجهة نظرك)؛ إلا أنه ينتج عادةً من جودة العلاقات التي تمتلكها، فالوحدة لا تعني أن يكون الشخص وحيدًا فقط، بل تتمثّل في شعور الشخص بأنه وحيد بطريقة تسبب له الألم والحزن.
[two-column]
تتجلى الوحدة في المشاعر غير السارة التي تؤثر على جزء كبير من الجسم؛ لذلك يجب أن يكون هناك هدف تطوريّ عميق للوحدة، فهذا الشعور مؤشر يدفعنا نحو تشكيل علاقات اجتماعية.
[/two-column]
الآثار السلبية للوحدة
بخلاف مشاعر الحزن والاكتئاب، فقد ثبت أن الوحدة تؤثر على الطريقة التي تصور فيها عقولنا المواقف الاجتماعية، إذ يميل الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة إلى الاعتقاد في أنهم غير مرغوب فيهم، ويتوقعون المزيد من ردود الفعل الاجتماعية السلبية، ويتذكرون هذه التفاعلات السلبية مع الآخرين، كما يبنون صورةً سلبيةً عامةً عن تجاربهم الاجتماعية، مما قد يجعلهم يرغبون في الانعزال عن التفاعلات الاجتماعية تمامًا.
كما أن من يشعرون بالوحدة لا ينامون نفس المدة التي ينامها الأشخاص العاديون، مما يؤدي إلى آثار لا تُعد ولا تُحصى، مثل: انخفاض الاستجابة المناعية، وانخفاض اليقظة الذهنية والتركيز، وزيادة التوتر والقلق، وهو ما يمكن أن يلحق ضررًا بعدد من أنظمة الجسم، ومن ثم الوفاة.
كذلك ترتبط الوحدة بالتدهور المعرفي المبكر، بالإضافة إلى الحالات القلبية الوعائية؛ ومنها: النوبات القلبية، وفشل القلب الاحتقاني، والسكتات الدماغية، إضافة إلى ضبط الجسم للهرمونات؛ مما يزيد حدة الاستجابات الالتهابية المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل: السكري، وارتفاع ضغط الدم.
طرق للتكيف مع الوحدة
إذا كانت الوحدة تعبر عن التفاوت بين العلاقات التي تريدها والعلاقات التي تمتلكها، فتقليص هذه الفجوة يحدث من خلال طريقتين، إما تغيير التوقعات التي لديك عن العلاقات، أو تغيير العلاقات نفسها.
ومن أبرز الطرق التي تساعد على التأقلم مع الوحدة: تحديد الاحتياجات العاطفية والاجتماعية بدقة حتى لا يشبه الأمر سكب الماء في حفرة لا قاع لها، وممارسة أنشطة منفردة تنمي القدرات الروحية والشخصية، مثل: الجري، والطهي، والبستلة، وتعميق العلاقات الحالية، فالشعور بالحزن أو الوحدة قد يقوي العلاقات بطرق بليغة، وكذلك تكوين صداقات جديدة مع أشخاص مثلك يمكن أن تشاركهم بعض الهوايات، بالإضافة إلى التواصل مع الآخرين عبر الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد كان هذا ملاذًا آمنًا للناس في فترة الجائحة سمح لهم بالعثور على الأمان وعلى الآخرين الذين يشبهونهم.