تشير التقديرات العالمية إلى أن حوالي 273 مليون شخص أو 4.5٪ من سكان العالم يعانون من اضطراب القلق، حيث تشهد الأونة الأخيرة ارتفاعًا حادًا في حالات القلق والخوف المرتبط بالخطر، وهو ما وصف بأنه وباء القلق، فقد أصبحت مشاعر الخوف والقلق والرهاب والوساوس والإكراه جزءًا من أهداف البرامج التليفزيونية والإذاعية ومقالات الصحف والمواقع.
اضطرابات القلق
وعادة ما تكثر اضطرابات القلق بين النساء أكثر من الرجال، حيث يعاني ما يصل إلى 16٪ من الأشخاص من هذه الاضطرابات طوال حياتهم، ويرتفع هذا إلى ما يقرب من 29 ٪ من السكان الذين يعانون من اضطراب القلق في المجتمعات الغربية.
وعلى الرغم من أن العديد من الأطفال يعانون من مخاوف الطفولة الطبيعية مثل الرعب الليلي والرهاب المدرسي، فإن العديد من التشخيصات في هذه المرحلة من الحياة خاطئة وغالبًا ما يتم تشخيص الأطفال بشكل خاطئ بمشكلات مثل المشكلات الجسدية أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ومع ذلك تختلف مستويات القلق لدى الأطفال ويمكن أن تؤدي بعض الحالات مثل التوحد إلى زيادة القلق، كما يمكن للبالغين والأطفال على حد سواء أن تؤثر الأحداث المؤلمة في حياتهم، وبالتالي تعرضهم للخوف والقلق.
وتشير التقديرات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق هم أكثر عرضة بثلاث إلى خمس مرات للذهاب إلى الطبيب، و6 مرات أكثر عرضة للدخول إلى المستشفى بسبب الاضطرابات النفسية من أولئك الذين لا يعانون من اضطراب القلق.
ردود فعل فسيولوجية
عندما يتجاوز الخوف حدًا معينًا، يؤدي إلى عدم قدرة الأشخاص على الاستجابة بشكل مناسب للأحداث التي يواجهونها، وهذا ما يجعل البشر يرغبون في الهروب من التهديد المحتمل، ولكن عندما نشعر بأي شكل من التهديد حولنا فإن الخوف يقوم بتنشيط نظام الاستثارة الطبيعي في الجسم، مما يجعلنا نستجيب بشكل مناسب للموقف، سواء استجابة( القتال / الهروب / التجمد في المكان)، فعندما ترى أن بؤبؤ العين يتسع، وتزداد نبضات القلب، ونشعر بالبرودة والعرق في أطرافنا، ففي هذه الحالة تكون أسماعنا حساسة للغاية ويمكن أن يبدو الوجه شاحبًا أكثر من المعتاد وهذه هي الاستجابات الطبيعية والمتطورة للغاية التي طورها البشر للتعامل بنجاح مع التهديدات.
الفرق بين الخوف والقلق
وبصورة عامة، يُنظر إلى الخوف على أنه رد فعل على تصور التهديد الذي يشكله خطر محدد يمكن ملاحظته، بينما ، يُنظر إلى القلق على أنه نوع من المشاعر غير المركزة وغير الموضوعية والموجهة نحو المستقبل.
وبالتالي، فإن الخوف هو تصور مرتبط بشيء أو فكرة أو ظرف معين، فعلى سبيل المثال، من المرجح أن تأخذ المخاوف بشأن الموت شكل قلق مزعج أكثر من الخوف الفعلي، ويشير القلق أيضًا إلى الحالات العاطفية مثل الشك والملل والصراع العقلي وخيبة الأمل والخجل أو الإثارة المرتبطة بإدراك الخوف.
الخوف حالة صحية
وبدراسة واقع الإنسان، فلقد ساعدنا الخوف في البقاء على قيد الحياة في بيئات اجتماعية وجسدية معادية، وبدون جرعة صحية من الخوف، لم نكن لننجو ولن نهتم بدرجاتنا في المدرسة أو نوعية حياتنا.
لا يلفت الخوف انتباهنا إلى المخاطر الحقيقية فحسب، بل يسمح لنا بمواجهة مثل هذه المواقف، بعد أن أدركنا أنها تهدد صحتنا النفسية أو الجسدية أو الاجتماعية، ولذلك من المهم أن ندرك أنه لا ينبغي أبدًا أن نتطلع إلى إزالة الخوف، على الرغم من أنه سيكون مستحيلًا حتى لو أردنا ذلك، لأن الخوف تجربة وظيفية وصحية وذات مغزى تسمح لنا بإدارة الحياة بشكل فعال، وقد يصبح الخوف فقط إشكاليًا ومرضيًا عندما يفشل في تحقيق غرضه، وهو إدارة الموقف الحالي والاستجابة له بشكل فعال، وعندما يتحول إلى القلق فإنه يمنعنا ويحولنا إلى حطام مرتعش وغير قادر على التقدم.
القلق المرضي
ونادرًا أن يمثل القلق حالة مرضية حتى لو كان شديدًا إلى أن يصبح مزمنًا ويتداخل باستمرار مع أدائنا وتمتعنا بالحياة، وذلك عندما يكون القلق مفرطًا ومنفصلًا عن الواقع، حيث لم يعد يوفر إشارة دقيقة وموثوقة للخطر.
ونتيجة لذلك قد تشعر بالقلق عند التفكير في اختبار مهم، أو الذهاب إلى حفل عشاء حيث لا تعرف أشخاصًا أو السفر إلى مكان غير مألوف، هذه الأفكار المقلقة مدفوعة بتفكير “ماذا لو” (على سبيل المثال ، “ماذا لو تعطلت السيارة” أو “ماذا لو لم أكن أعرف أحداً”)، لذلك ، فإن ما يجعل الفرق بين الخوف باعتباره عاطفة طبيعية مفيدة، والخوف كرد فعل مرضي، هو أن الأول يزيد من قدرتنا على إدارة الواقع والأحداث التي أمامنا، أما الأخير فيجعلنا غير قادرين على الاستجابة، وغالبًا ما يؤدي إلى اضطرابات القلق العامة أو نوبات الهلع.
وإذا كنا لا نعرف مصدر قلقنا ، فمن الصعب التعامل مع المشكلة، وهذا هو الحال بالنسبة للعديد من المخاوف الحالية التي يعاني منها الأشخاص في عيادات العلاج النفسي، وباختصار يكون القلق إيجابيًا عندما لا يكون مفرطًا، وفي الواقع الهدف من أي علاج جيد هو تقليل القلق وليس القضاء عليه.
ما هو اضطراب القلق.. وكيف يمكن التغلب عليه؟