على الرغم من الخلافات المتتالية والصريحة بين الجانبين الأمريكي والصيني، إلا أن تخوفات صناع السياسة في واشنطن وعمالقة المال في نيويورك على مستقبل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بكين باتت واضحة للعيان.
فمع بذل الجانب الصيني الكثير من الإجراءات للخروج من الكارثة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، إلا أن العديد من تلك الجهود المستمرة قد توقفت على عدد من الجبهات، وقد تزامن هذا مع زيادة الديون وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين. فلاشك أن هناك ارتباطًا وثيق الصلة بين أكبر دولتين بالعالم وهو ما جعل مراقبون يدققون بمستجدات الأوضاع في بكين، وهل ستصبح انتكاسة مؤقتة أم ستصير أزمة عالمية؟
محاولات للتقارب
وإن كانت بعض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد بدت متوترة في الآونة الأخيرة، فإن ذلك لم يمنع من استمرار العلاقات التجارية الكبيرة بينهما، حيث زار الصين مؤخرًا كل من إيلون ماسك -الرئيس التنفيذي لشركة تسلا موتورز- ومالك موقع تويتر، و جيمي دايمون -رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة جي بي مورغان تشيس- ،تيم كوك – الرئيس التنفيذي لشركة أبل-، فيما يمكن اعتباره محاولة للطمأنينة.
وقال دايمون خلال زيارته للصين الأسبوع الماضي: “علينا ألا نحاول إيذاء الصين أو شعبها فلن يتم حل هذه الأشياء إذا كان كلا الطرفين يجلسان على جانبي المحيط ويصرخ كل منهما على الآخر” بحسب رويترز.
نظرة حول العلاقات بين الدولتين
وعلى الجانب الاقتصادي، تربط الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني عدة عوامل وعلاقات اقتصادية متباينة. حيث تعتبر الصين هي الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة الأمريكية، وتصدر الصين الكثير من المنتجات إلى واشنطن، وتستورد منتجات أمريكية بشكل كبير. بينما تستثمر الشركات الأمريكية بشكل كبير في الصين، وتتعاون الشركات الصينية والأمريكية في مجالات متعددة مثل التكنولوجيا والطاقة والصحة والعقارات.
وعلى جانب الديون، فإن الصين تمتلك كمية كبيرة من الديون الأمريكية وتعتبر أحد أكبر حاملي الديون الأمريكية، بينما تقوم الدولتان بتنسيق الجهود في مجالات مثل الأمن الإقليمي والتغيرات المناخية.
استعادة المكانة الاقتصادية
وتعاني الصين من تعثر في النمو الاقتصادي في عام 2019 جراء السياسات المتبعة لحكومة ترامب، وأدت جائحة كورونا إلى تفاقم الأزمة ونموها بشكل متسارع، ما نتج عنه تعطل التصنيع وعزوف المستهلكين عن الشراء خوفًا من تتابع الأزمات.
أما عن الوقت الحالي، فإن الصين قد بدأت باستعادة جزء من حياتها الطبيعية لكن الاقتصاد يأبى إلا أن يظهر مشاكل ناشئة تتعارض مع الصورة المعروفة عن الصين بأنها قوة صناعية لا يمكن إيقافها.
ولكن مع هذا فإن حسابات النمو الاقتصادي للسنة المالية الحالية 2023 تعطي مؤشرًا أفضل من السنة التي تسبقها حيث حقق الاقتصاد الصيني نموًا بنسبة 4.5% في الربع الأول من هذا العام، وكان هذا بمثابة تحسنٍ عن العام الفائت الذي انتهى بمعدل نمو بنسبة 3% فقط، إلا أنه لم يحقق بعد ما تأمله بكين فقد حددت هدفًا وهو أن تصل إلى 5% من النمو الاقتصادي.
وكانت الصين قد عززت في عهد الرئيس الحالي شي جين بينغ مكانتها كعملاق تصنيع لا مثيل له، وعلى أثر هذا انتشلت سكانها من للفقر في عام 2012، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي للدولة الصينية 8.5 تريليون دولار، ومع نهاية فترة ولاية شي الثانية في عام 2022، ارتفع الناتج المحلي إلى 18.5 تريليون دولار. وهو يعطي مثالاً نموذجيًا مذهلًا يتجاوز 100%.
مخاوف الإصلاحات السهلة
ويرى مراقبون أن تباطؤ الصين نابع من مشاكل أعمق والتي قد لا تستطيع تلافيها بعد أن أخفتها القيادة الصينية، فعلى مدار العقد الماضي تضاءل تسامح الحكومة مع الآثار الجانبية المؤلمة للإصلاح: فقد اختارت بكين إصلاحات سياسية أسهل، وتصدت لما يسمى أصحاب الدخل المتوسط، وهذا ما أشار له المستثمر “روتشير شارما” فقال:”هناك شيء فاسد في الاقتصاد الصيني” مشيرًا إلى ما وصفه بمستويات غير مستدامة من الاستثمار الحكومي وتراكم الديون.
وكانت الأزمة المالية العالمية قد جعلت الصين تسمح للبلديات “باستخدام آليات تمويل الحكومة المحلية” أو LGFVs والتي توفر اقتراض الأموال لدفع تكاليف مشاريع البنية التحتية، وقد تم سداد الدين بشكل أساسي عن طريق الرسوم الناتجة من ازدهار سوق العقارات الذي انطلق نحو المناطق الداخلية البعيدة أكثر منه في الساحل المتطور.
8 تريليون دولار
ومع هذا التطور والعائد الكبير إلا ان المخاطر كانت تحيط بالصين من كل جانب، وهذا قد تأكد حين تجمد هذا النمو تمامًا أثناء جائحة كورونا، وأثار احتمالا كبيرًا أن الحكومات المحلية قد تخلف وعدها ولن تستطيع سداد الديون ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، فيما تُقدر إجمالي الديون المستحقة حاليا على LGFVs بنحو 8 تريليون دولار.
وقد أعلنت “حكومة شي” في العام المنصرم عن خطة من 16 نقطة لتحفز سوق العقارات الواهي والتي يُأمل أن تجدد خزائن البلدية، وتمنع LGFVs من إعلان إفلاسها.
لكن حتى وقتنا الحالي، لم تبدي أي من هذه الإجراءات نجاحًا محققًا. وهذا ما اضطر بكين الأسبوع الماضي إلى الكشف عن خطط جديدة لتعزيز قطاع العقارات، حيث إن هذا القطاع يمثل حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي وهذه نسبة يمكنها التأثير مباشرة بشكل كافي إيجابًا أو سلبًا على الاقتصاد الوطني.
عودة تدريجية
بينما نجد أن الولايات المتحدة تمثل صناعة العقار بها حوالي 17% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. والآن بعد هدوء الإجراءات الاحترازية لكورونا وعودة الحياة إلى مسارها الطبيعي بدأت جميع الجوانب الاقتصادية بالعودة تدريجيًا بما فيها سوق العقارات.
فيما لا يزال التعافي متعثرًا حيث شهد شهر مايو انخفاضًا بنسبة 15% عما كان عنه في أبريل، “وتظل الصورة المعبرة عن الوضع الراهن هي التراجع في الآونة الأخيرة ” بحسب شبكة “بلومبرج” التي وصفت قطاع العقارات أنه :”لا يزال مريضًا”.
أسعار الذهب والديون الأمريكية.. علاقة تقودها الأزمات الاقتصادية