يقدّر عدد المواطنين الروس الذين غادروا بلادهم منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا بمئات الآلاف، فمن هم؟ وإلى أين يتجهون؟ وما سبب هجرتهم؟
نقطة تحوّل
خرج مواطنون روس من بلادهم في موجة نزوح أولى في مارس وأبريل من العام الماضي؛ لأنهم “ضد الحرب”، وعبّروا عن خيبتهم بسبب موقف الشعب الروسي الذي “لم يخرج للاحتجاج”.
من بين هؤلاء، سفيتلانا، وهي سيدة في أوائل الثلاثينيات، انتقلت إلى موسكو من بلدة صغيرة في سن الـ 18 لدراسة الفيزياء في الجامعة، وبعد التخرج عملت كمديرة منتجات لشركات مختلفة.
قالت: “لم أعتقد أبدًا أنني سأضطر إلى المغادرة، لقد خططت للتقاعد في موسكو، فأنا أحب روسيا واستمتعت بحياتي فيها”.
وتعد سفيتلانا واحدة من الذين عارضوا ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014، والقوانين الجديدة التي سهلت معاقبة المعارضين، ولكنها لم تغادر كما آخرين ممن ذهبوا حينها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
مثّلت العملية العسكرية في أوكرانيا نقطة تحول بالنسبة لسفيتلانا والكثير مثلها، حيث قالت: “عندما بدأت الحرب، أدركت أنها لن تنتهي قريبًا وأن الناس لن يخرجوا للاحتجاج، فشعرت أنه من المنطقي أن أغادر” وانتقلت إلى العاصمة الصربية بلغراد.
الخوف من التجنيد الإجباري وانهيار الاقتصاد
بدأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعبئة عسكرية في سبتمبر 2022، وهي التي وصفتها السلطات بأنها “جزئية”، لكنها في الواقع تعني أن معظم الرجال معرضون لخطر التجنيد.
نُشرت العديد من التقارير عن ضعف التدريب وعدم كفاية المعدات المقدمة للمجندين الجدد؛ لذا بدأ الرجال وعائلاتهم بالمغادرة بأعداد كبيرة، وهو ما أظهرته الطوابير الطويلة لأيام على الحدود الروسية مع جورجيا وكازاخستان.
قال توماس من سان بطرسبرج: “أنا من دعاة السلام وكنت خائفًا من أن يتم إرسالي لقتل أشخاص آخرين، وقد كنت ضد سياسة روسيا تجاه أوكرانيا منذ عام 2014.. غزو وقتل المدنيين أمر غير مقبول”.
ونفى المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف أن يكون الروس يغادرون بأعداد كبيرة لتجنب تجنيدهم.
من ناحية أخرى، خشي الكثير من تدهور الأوضاع الداخلية جرّاء الحرب، ومنهم سيرجي، وهو مواطن من مدينة روستوف أون دون الجنوبية.
قال سيرجي: “في اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، اتصلت بالعديد من أصدقائي واتفقنا جميعًا على أن الحرب كانت أخبارًا سيئة، ومهما حدث بعد ذلك، فإن الاقتصاد سوف ينهار”.
أين يذهب المهاجرون الروس؟
لا توجد أرقام دقيقة حول عدد الأشخاص الذين غادروا روسيا، حيث تختلف التقديرات من مئات الآلاف إلى عدة ملايين.
في مايو 2023، قدّرت وزارة الدفاع البريطانية مغادرة 1.3 مليون شخص لروسيا في عام 2022.
ونقلت مجلة “فوربس” عن مصادر داخل السلطات الروسية قولها إن ما بين 600 ألف ومليون شخص غادروا في عام 2022.
وفي الأشهر التي أعقبت اندلاع الحرب، جعلت العديد من الدول، ومعظمها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، من الصعب على الروس التقدم للحصول على تأشيرات ما لم يكن لديهم بالفعل عائلة هناك أو كانوا يسافرون للعمل.
في العديد من البلدان الأخرى، مثل جورجيا وأرمينيا، لم يواجه الروس مثل هذه القيود، ويمكنهم القدوم والذهاب كما يحلو لهم.
في المقابل، غيرت دول أخرى، بما في ذلك كازاخستان، قوانينها في وقت سابق من هذا العام، وذلك لوقف تدفق المهاجرين الروس عن طريق الحد من عدد الأيام التي يمكنهم البقاء فيها كسائحين.
خلال الـ 15 شهرًا الماضية، حصل حوالي 155 ألف روسي على تصاريح إقامة مؤقتة في دول الاتحاد الأوروبي.
وتقدّم قرابة 17 ألف شخص بطلبات لجوء سياسي في دول الاتحاد الأوروبي، لكن لم يوافق سوى على ألفي شخص فقط، وفقًا لوكالة الاتحاد الأوروبي للجوء.
وكشفت وزارة الداخلية الروسية أن عدد المتقدمين بطلبات للحصول على جوازات سفر أجنبية في عام 2022 مقارنة ارتفع بنسبة 40% مقارنة بالعام السابق.
ما تأثير الهجرة الجماعية على روسيا؟
يقدر أكبر بنك خاص في روسيا “Alfa Bank”، أن 1.5% من القوى العاملة الروسية بأكملها ربما غادرت البلاد، وأوضح أن معظم الذين غادروا هم من المهنيين ذوي المهارات العالية، وهو ما يفسّر شكوى الشركات من نقص الموظفين وصعوبات التوظيف.
وأفاد البنك المركزي الروسي في المراحل الأولى من الحرب أن الروس سحبوا 15 مليار دولار من حساباتهم.
يعتقد الاقتصادي سيرجي سميرنوف من الأكاديمية الوطنية الروسية للعلوم أن الأفراد ذوي المهارات العالية سيواصلون البحث عن طرق للهجرة.
وقال سميرنوف: “سيكون هناك طلب متزايد على الناس ليكونوا قادرين على إصلاح السيارات أو صنع الأحذية، والوضع الحالي سيؤدي إلى استمرار انخفاض الإنتاجية داخل الاقتصاد الروسي بمرور الوقت.”
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الاتجاهات ستؤثر في المقام الأول على المدن الكبيرة ، مثل موسكو وسانت بطرسبرغ وإيكاترينبرج.
ماذا بعد موافقة “الكونغرس” الأمريكي على رفع سقف الدين؟
لماذا هاجم الصرب قوات حفظ السلام التابعة لـ”الناتو” في كوسوفو؟
لماذا فقدت مناظرات مرشحي انتخابات الرئاسة الأمريكية الكثير من أهميتها؟