يأتي شهر رمضان منذ قرابة ثلاث سنوات في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، ففي عام 2020 حلّ وباء كورونا، وما أن انتهى الوباء حتى تلته حرب روسيا على أوكرانيا، لتشكل هذه الخضات بيئة اقتصادية صعبة، ابتداءً من فقدان الكثيرين لوظائفهم، ومن ثم ارتفاع نسب التضخم وغلاء أسعار الغذاء عالميًا.
ويحدث هذا بينما اعتادت الأسر المسلمة على مدى عقود وربما قرون أن تضع على مائدة الإفطار أكلات شعبية، ربما ظنوا أنها عادة لن تنقطع، ولكن يبدو أن عاداتهم ستتغير لا محالة.
المصريون يبحثون عن بدائل أرخص
تمتاز المائدة المصرية بتنوع الأكلات الشعبية، فأول أيام الشهر لا بُد أن يحتوي على بعض الأصناف، مثل المحاشي والدجاج والبط والحَمام، إضافة إلى طبق الرقاق، وتُعد الكنافة ولقمة القاضي والياميش حلويات شهر رمضان.
توضح ربة المنزل، عايدة كركيت، أن “طبق الرقاق من الأطباق المحبوبة، ويتكون من طبقات من الخبز الرقيق والسمن البلدي واللحم المفروم المعصج”.
وتضيف كركيت: “الظروف الاقتصادية دفعت المصريين للبحث عن بدائل أرخص مثل طبخ أرجل الدجاج، والاستغناء عن عصير قمر الدين واستبداله بعصائر أرخص مثل الكركديه وعرق السوس”.
وتقول ربة المنزل، تهاني حرب، إن استهلاك اللحوم والدواجن سينخفض، موضحة: “ارتفع سعر الياميش كثيرًا، لذلك أعتقد أن الكثيرين سيتناولون التمر بدلاً منه”.
وفقًا للبنك المركزي المصري، ارتفعت نسب التضخم بحدود 40%. ويعيش ثلث عدد سكان مصر تحت خط الفقر، بينما ثلث آخر من السكان معرّضون لأن يصبحوا فقراء وفق البنك الدولي.
السوريون لا يستطيعون “تبييض اليوم”
توارث السوريون عادة “تبييض اليوم” في رمضان، وتعني أنهم يبدأون إفطارهم أول أيام الشهر بأكلة تحتوي على اللبن، أملاً في أن تكون باقي أيام رمضان بيضاء تحمل الخير معها.
تقول المواطنة الدمشقية هيا حمارشة إن أكلة الشاكرية المكونة من مرق اللبن واللحم بعظمه، إضافة إلى شيخ المحشي، حيث تُحشى الكوسا باللحم المفروم وتطبخ باللبن، لا بُدّ أن تكونا على مائدة طعام أغلب السوريين في اليوم الأول.
وتضيف حمارشة: “للأسف لم يعُد باستطاعة الكثيرين أن يُجاروا عادة التبييض، فسعر كيلو لحم الغنم تخطى الـ 45 ألف ليرة سورية، وأكلة شيخ المحشي باتت تُرهق كاهل العديد، كما أن الحكومة لا تتخذ جهدًا ملحوظًا لضبط الأسعار المتفاوتة، أو حتى تحسين دخل الأفراد”.
الليرة اللبنانية لا تكفي الاحتياجات الأساسية
يرافق طبق “الفتوش” اللبنانيين يوميًا عند إفطارهم، ويحتوي أنواعًا مختلفة من الخضروات الطازجة التي تُزيَّن بالخبز المُحمص، إضافة إلى شوربة العدس ورقاقات الجبن. وتعتبر حلوى الداعوقية شيئًا أساسيًا في رمضان، حيث تُحشى عجينة الفستق الحلبي بالقشطة البلدية.
تقول الصحفية جنى بركات: “المواطن الذي يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية لم يعد قادرًا على توفير جميع احتياجاته الغذائية على مدار العام، لذلك فإن سفرة رمضان ستتغير كثيرًا، وقد يعتمد البعض على الحبوب بدلاً من اللحوم والدجاج، كما أن حلويات الشهر أصبحت أمورًا ثانوية، فسعر طبق حلوى الداعوقية وصل إلى 15 دولار أمريكا”.
الدخل الشهري في الأردن يهدّد “المنسف”
يفتتح الكثير من الأردنيين الشهر بأكلة المنسف، إذ تُفضل الأسر أن يُطبخ باللحم البلدي واللبن الجميد ويُقدم مع الأرز وخبز الشراك.
يقول الطاهي محمد سوالمة، إن الدخل الشهري للمواطن الأردني لم يعُد يكفي لسدّ الاحتياجات، فمصروف رمضان لا يقتصر على الطعام فقط، إذ ما زال المواطن يلتزم بكافة العادات الاجتماعية مثل العزائم وزيارة الأصدقاء والتي تُشكل عبئًا ماليًا إضافيًا.
ويضيف سوالمة: “بات الكثير يُفضل استخدام اللحم المستورد، الأرخص، على اللحم البلدي”.
ويعاني الأردن من معدل مرتفع للبطالة يصل إلى 23%، فيما بلغ الدين العام حوالي 42.8 مليار دولار أي 88% من الناتج المحلي الإجمالي.
في الأراضي الفلسطينية يُستكفى بالطبق الرئيسي
يبدأ شهر رمضان عند غالبية الفلسطينيين بتحضير طبق أخضر أو أبيض اللون، ويعتبر طبق شوربة الملوخية مع الأرز والدجاج، والمفتول والمسخن أشهر المأكولات الشعبية.
تقول ربة المنزل أم صهيب من قطاع غزة: “صحن الحمص وشوربة لسان العصفور ضيفان دائمان على مائدة أهل القطاع، كما أن وجبة المفتول هي الطبق الرئيسي وقت العزائم”.
وعن غلاء الأسعار تقول أم صهيب إن “كثيرًا من أهل القطاع يفضلون الاستغناء عن المقبلات والاكتفاء بالطبق الرئيسي. تكتفي بعض العوائل بشراء ظهر الدجاج أو رقبته لإعداد وجباتها في رمضان”.
المغربيون يقننون استخدام اللحم لتوفير الخضار
يبدأ المغاربة إفطارهم بشوربة الحريرة الغنية بالخضار والبقوليات وبعض من اللحم إلى جانب السمبوسك والحلويات، وبعد أذان العشاء، يقدم الطبق الرئيسي مثل الطاجين باللحم أو الدجاج والخضار وكذلك الكسكسي.
تقول المواطنة المغربية عائشة بلحاج: “المطبخ المغربي يعتمد بشكل كبير على الخضار والفواكه، بحكم أنه بلد زراعي، إلا أننا نشهد سنة من أصعب السنوات التي مرت علينا، فلا يمكن أن نستغني عن الخضار والفواكه لأنه أساس مطبخنا، لذلك أعتقد أن البعض سيقنن من استخدام اللحم في سبيل وجود الخضار على المائدة الرمضانية”.
في شهر فبراير الماضي، احتج عشرات المتظاهرين أمام البرلمان المغربي ضد غلاء أسعار المعيشة، إذ ارتفعت أسعار السلع الغذائية بما فيها الخضار والفواكه واللحم والحليب بنسبة 16.8% وفق المندوبية السامية للتخطيط.
ندرة في أهم الموارد الاستهلاكية بتونس
البريك، هي الأكلة التي لا تغيب عن موائد التونسيين، وتتكون من عجينة القمح أو الشعير، يتم حشوها عادة بخليط من البيض والتونة والجبن.
والحلوى الشائعة في رمضان هي المقروض التونسي، حيث يحشى السميد بعجوة التمر ويزين بالسمم.
وتشهد تونس منذ أشهر ندرة في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية مثل السكر والبيض والحليب، كما أن إنتاج المواد الغذائية التي تعتمد في صنعها على السكر مهدّدًا بالتوقف، بسبب عدم تزويد المصانع بمادة السكر بشكل مستمر.
يقول المواطن التونسي أشرف رجب: “منذ سنتين والشعب يعاني، فالقدرة الشرائية للمواطن انخفضت، ومع حلول شهر رمضان وتزايد الاستهلاك، فإن المائدة الرمضانية ستصبح أقل تنوعًا وجودة، كما أن اللحوم الحمراء والأسماك ستغيب عن مائدة الكثيرين، فالحكومة لا تقدم سوى الوعود، والواقع مختلف تمامًا”.
ماذا يحدث لضغط دمك عند خسارة كيلوغرامًا واحدًا فقط من وزنك؟