تمثل قرية زبالا الأثرية (بضم الياء)، الواقعة جنوب محافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، إحدى المحطات البارزة في التاريخ الحضاري لشبه الجزيرة العربية. فهي ليست مجرد قرية مهجورة، بل موقع مركزي جمع بين النشاط التجاري، والعبور الموسمي للقوافل، والنظام الذكي لإدارة المياه، ما يجعلها شاهدًا فريدًا على تطور المجتمعات في قلب الصحراء.
اشتهرت “زبالا” بموقعها الاستراتيجي على طريق “درب زبيدة”، أحد أشهر طرق الحج التاريخية التي ربطت العراق بالحجاز. وكانت تُعد محطة رئيسية لاستراحة الحجاج والتجار، وموردًا غنيًا بالمياه العذبة، وهو ما أكسبها أهمية اقتصادية واجتماعية كبيرة على مدى قرون. وقد وثّق المؤرخون سوق زبالا كوجهة تجارية نشطة لعبت دورًا في دعم حركة القوافل القادمة من الشام والعراق.
من أبرز ما يميز القرية هندستها المتقدمة في مجال الخزن المائي. تضم “زبالا” مجموعة من الآبار المنحوتة بدقة في الصخور الصلبة، إلى جانب برك لتجميع مياه الأمطار. وتُعد بئر “زبالا” التاريخية واحدة من أعمق الآبار في المنطقة، إذ يبلغ عمقها نحو 250 مترًا، وتمتد فوهتها بشكل مربع بطول 10 أمتار، ما يعكس مهارات هندسية لافتة في الحفر والنقل والتصميم. البئر مزوّدة بسلالم حجرية وأماكن للاستراحة، وكان يُستخرج منها الماء العذب باستخدام الحبال والأخشاب بطريقة مرنة وسهلة، في دلالة على التطور التقني الذي بلغه سكان المنطقة في إدارة مواردهم الطبيعية.
تحيط بالقرية بقايا قصور وأبنية أثرية تروي حكاية حضارة ضاربة في القدم. ويُعد “حصن زبالا”، الواقع شرق القرية، من أبرز هذه المعالم، حيث يستقطب الزوار والمهتمين بالتاريخ والتراث، فضلاً عن بئر قرية زبالا السالف ذكره، والتي تعتبر أعمق بئر على طريق الحج.
ويُنسب اسم “زبالا” إلى مؤسسها “زُبالة بن الحارث”، كما ورد ذكرها في الشعر العربي، مثل قصائد الأخطل التي وثّقت الموقع بوصفه محطة واضحة المعالم. كذلك نالت اهتمام المؤرخين، مثل حمد الجاسر في كتابه “المعجم الجغرافي”، والدكتور سعد الراشد في رسالته الأكاديمية عن “درب زبيدة”. زبالا ليست فقط قرية قديمة، بل سجلّ مفتوح من المعمار، والتاريخ، والهوية، يشهد على حضارة عربية أصيلة في شمال المملكة.