logo alelm
لماذا تنسج «ميتا» و«جوجل» شبكة كابلات بحرية عملاقة حول العالم؟

تحرّك سفنٌ متخصّصة لـ«ميتا» و«جوجل» في قاع المحيط الأطلسي، حيث يلاطم الظلامُ الأبدي ضغوطًا ساحقة، لتمدّ شرايين رقمية جديدة، بينما تضخّ العمالقتان مليارات الدولارات في شبكة كابلات بحرية تمتدّ لعشرات الآلاف من الكيلومترات، وذلك في سباقٍ محمومٍ لمواكبة طوفان الذكاء الاصطناعي.

وإذ تتسارع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تُضاعِف الطلب على نقل البيانات بين القارات، تُقدّر «تيلي جيوجرافي» استثمارات الكابلات الجديدة بين 2025 و2027 بأكثر من 13 مليار دولار، إذ باتت شركات المحتوى المحرّك الرئيسي بدلًا من شركات الاتصالات التقليدية.

ويقول أليكس إيمي، رئيس البنية التحتية للشبكات في «ميتا»: «الذكاء الاصطناعي يتطلب الحوسبة والبيانات والاتصال… وعندما نتحدث عن الاتصال، لا نتحدث فقط عن الشبكات البرية، بل عن الربط بين القارات».

وأعلنت «ميتا» في يوليو 2025 مشروع «ووترورث» العملاق، وهو كابل بطول 50 ألف كيلومتر يمتدّ من الولايات المتحدة إلى الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، فيما يحمل 24 زوجًا من الألياف الضوئية، ويُدفن على أعماق تصل إلى 7 آلاف متر، مستخدِمًا تقنيات متطوّرة لتجنّب أعطال السفن والكوارث الطبيعية؛ وبذلك تسعى الشركة إلى خلق مسارات بديلة تتجاوز الممرات الملتهبة مثل بحر الصين الجنوبي، وفق تحليل معهد «أوكسفورد للإنترنت».

ولا تتراجع «جوجل» عن المنافسة، إذ أطلقت في 9 يوليو 2025 كابل «سول» العابر للأطلسي، ليربط فلوريدا (بالم كوست) ببرمودا وجزر الأزور وإسبانيا، بينما يوضح نايجل بايليف، مدير الشبكات البحرية العالمية في «جوجل»: «99% من نقل البيانات بين الدول المنفصلة بمحيطات، يعتمد على الكابلات البحرية… إنها الطبقة الأساسية للإنترنت».

دورة حياة الكابلات وتغير موازين القوى

ولفهم ما يجري تحت الأمواج، يجدر تتبّع دورة حياة الكابل البحري التي تمتد أربع سنوات من التصميم حتى التشغيل، إذ يبدأ العمل باختيار المسار لتجنّب المخاطر الجيوسياسية أو البيئية، ثم يتواصل بتصنيع أنابيب لا يتجاوز قطرها قطر خرطوم حديقة، لكنها تحوي أليافًا زجاجية تنقل الضوء، وبعدها تُمدّد سفنٌ متخصّصة الكابل برفق على القاع، في مشهد يذكّر بممارسات خمسينيات القرن التاسع عشر وإنْ بتقنيات معاصرة؛ ثم يُختبر النظام للتأكّد من جاهزيته لخدمةٍ قد تستمر لعقدين.

ويكشف العقد الماضي تحوّلًا جذريًا من سيطرة شركات الاتصالات الحكومية إلى هيمنة عمالقة المنصات، مثل «ميتا» و«جوجل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» (وغيرها مما يُشار إليه اصطلاحًا بـ«الخمسة الكبار»)، إذ «أصبحت هذه الشركات كبيرة بما يكفي لتمويل مشاريع كانت تتطلب اتحادات دولية»، كما يشرح باحثو «أوكسفورد».

ويُفاقم هذا التحوّل المخاوف السياسية، لأن 95% من حركة الإنترنت العالمية، بحسب «تيلي جيوجرافي»، تمرّ عبر كابلات تخضع اليوم لسيطرة خاصة.

وتطرح هذه المركزية سؤالًا مصيريًا: هل تصبح الأعماق ساحة الصراع التالية على ملكية طرق اقتصاد البيانات العالمي؟ إذ تحذّر دراسات معهد «أوكسفورد للإنترنت» من أنّ «السيطرة على البنية التحتية المادية تمنح نفوذًا يتجاوز المنصات إلى تدفّق البيانات نفسه».

وهكذا تُقاس سرعة عصر الذكاء الاصطناعي لا بقوة الخوادم وحدها، بل أيضًا بضغط الإشارات الضوئية التي تشقّ كابلات قاع المحيط؛ لذلك يظلّ السؤال معلّقًا: هل ستبقى هذه الشرايين مفتوحة للجميع؟

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| أقل المدن الصالحة للعيش في العالم 2025

المقالة التالية

دراسة: السلاحف تمتلك مشاعر مثل البشر!