بينما يسدل الستار على عام ميلادي صاخب، يقف العالم الرياضي مبهورًا أمام جملة من التحولات الهيكلية التي لم تكتفِ بتغيير هوية الأبطال الرياضية، بل غيرت كيمياء المنافسة ذاتها، حيث يبرز حصاد الرياضة في 2025 كحجر زاوية في تأريخ الرياضة الحديثة، من منصات التتويج في نيوجيرسي إلى صرخات الجماهير في ملاعب المغرب وجبال السعودية.
مونديال الأندية يفتح فصلًا جديدًا في تاريخ الكرة
لم يكن صيف عام 2025 مجرد موسم كروي اعتيادي، بل كان نقطة الانطلاق لما وصفه رئيس الفيفا بـ "فجر عصر جديد لكرة القدم".
استضافت الولايات المتحدة النسخة الأولى من كأس العالم للأندية بنظامها الموسع الذي ضم 32 ناديًا من مختلف القارات، في تجربة استهدفت محاكاة بريق كأس العالم للمنتخبات.
شهدت البطولة، التي انطلقت في 15 يونيو، مستويات فنية غير مسبوقة وتحديات بدنية هائلة، وفي النهائي التاريخي الذي احتضنه ملعب "ميتلايف" في 13 يوليو، نجح نادي تشيلسي الإنجليزي في اعتلاء عرش العالم بعد فوزه العريض على باريس سان جيرمان بثلاثية نظيفة، ليصبح أول بطل للنظام الجديد.
وضع هذا الإنجاز تشيلسي في قمة الهرم والرياضي، حيث بلغت الجوائز المالية أرقامًا فلكية، مما جعل هذا الحدث الركيزة الأساسية في حصاد الرياضة في 2025.
وضمن حصاد الرياضة في 2025، كان مشوار نادي الهلال في مونديال الأندية بين الأحداث الأكثر إثارة للإعجاب؛ إذ استهل "الزعيم" رحلته في دور المجموعات بمواجهة نارية أمام ريال مدريد الإسباني في 18 يونيو، انتهت بتعادل تاريخي 1-1، أرسل من خلاله الهلال رسالة تحذيرية لكبار القارة العجوز.
استمر الزخم الهلالي في الجولة الثانية بتعادل سلبي أمام آر بي سالزبورغ النمساوي في 23 يونيو، قبل أن يحسم التأهل بجدارة في الجولة الثالثة بفوز مستحق على باتشوكا المكسيكي بنتيجة 2-0 في 27 يونيو.
لم تكن الأدوار الإقصائية أقل إثارة، بل شهدت واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ البطولة؛ ففي مطلع يوليو، واجه الهلال عملاق البريميرليغ مانشستر سيتي في دور الـ16، وفي مباراة ماراثونية حبست الأنفاس، نجح "كبير آسيا" في إقصاء بطل إنجلترا بنتيجة 4-3، ليصعق العالم ويحجز مقعدًا في ربع النهائي.
توقف هذا المشوار البطولي في 4 يوليو عند محطة ربع النهائي أمام نادي فلومينينسي البرازيلي، حيث خسر الهلال بصعوبة بنتيجة 1-2 في مباراة كان فيها الأقرب للعودة، لينهي مشاركته برأس مرفوعة بعد أن أثبت ندية مطلقة أمام مختلف مدارس كرة القدم العالمية، مسجلاً بصمة لا تُمحى.
زئير الأسود حاضر بحصاد الرياضة في 2025
في ديسمبر 2025، تحولت القارة السمراء بكامل ثقلها نحو المملكة المغربية، التي استضافت النسخة الخامسة والثلاثين من كأس الأمم الأفريقية.
البطولة التي بدأت في 18ديسمبر، تميزت ببنية تحتية عالمية في مدن الرباط، الدار البيضاء، وأكادير، كبروفة حية لاستضافة مونديال 2030.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، يواصل المنتخب المغربي "أسود الأطلس" تقديم عروض مبهرة وسط دعم جماهيري منقطع النظير، حيث تأهلوا للأدوار الإقصائية وينافسون بقوة على اللقب.
وصنعت نفس الدولة التاريخ خلال العام المنقضي، حيث تُوّج المنتخب المغربي بلقب كأس العالم تحت 20 سنة للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوزه الرائع على نظيره الأرجنتيني في نهائي مثير شهد تألق ياسر الزابيري الذي حسم المواجهة بهدفين حاسمين.
السعودية وجهة رياضية عالمية
في عام وُصف بـ "عام الاستضافات الكبرى"، رسخت السعودية مكانتها كعاصمة للرياضة العالمية.
الحدث الأبرز الذي هز عالم الرياضة كان الإعلان عن انطلاق أول أولمبياد للرياضات الإلكترونية في التاريخ بالسعودية خلال عام 2027.
هذا الحدث، الذي جاء نتاج شراكة تاريخية بين اللجنة الأولمبية الدولية والسعودية لمدة 12 عامًا، يسلط الضوء على السعودية كعاصمة للرياضات الرقمية.
وفي ميادين السرعة، افتتح السائق السعودي يزيد الراجحي عامه ببطولة استثنائية حين حقق لقب رالي داكار السعودية 2025 لفئة السيارات، متفوقًا على أساطير السباقات الصحراوية.
مثّل هذا الفوز صكًا للسيادة السعودية على السباقات الميكانيكية، وهو فصل محوري في حصاد الرياضة في 2025.
وعلى صعيد المنتخبات الوطنية، زف "الأخضر" السعودي البشرى لجماهيره بحسم التأهل رسميًا إلى نهائيات كأس العالم 2026.
جاء هذا الإنجاز نتيجة استقرار فني وتطور ملموس في أداء اللاعبين المحليين والمحترفين، مما جعل عام 2025 عامًا للتمكين الكروي بامتياز.
كما شهد العام استضافة الرياض لنهائيات الجولة الختامية لمحترفات التنس (WTA Finals) للمرة الأولى، في حدث جذب أرقى نجمات الكرة الصفراء عالميًا.
وفي شهر فبراير، واصلت "كأس السعودية" للخيل تحطيم الأرقام القياسية كأغلى سباق خيل في العالم، بجوائز تجاوزت 37 مليون دولار.
خماسية باريسية تكسر العقدة الأوروبية
في ليلة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة العاصمة الفرنسية، نجح باريس سان جيرمان في اعتلاء عرش القارة العجوز للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوز كاسح ومذل على إنتر الإيطالي بخماسية نظيفة في نهائي دوري أبطال أوروبا بمدينة ميونيخ.
لم تكن المباراة التي أقيمت يوم 31 مايو مجرد مواجهة على اللقب، بل كانت استعراضًا للقوة الباريسية التي سيطرت على الميدان منذ الدقائق الأولى، لتنهي سنوات من الانتظار المرير الذي عرفه النادي منذ نهائي 2020 الخاسر أمام بايرن ميونيخ.
شهد اللقاء بزوغ فجر النجم الشاب ديزيريه دويه، الذي نصب نفسه ملكًا للمباراة بتسجيله هدفين وصناعة آخر، حيث افتتح أشرف حكيمي التسجيل مبكرًا في الدقيقة 12، قبل أن يضيف دويه الهدفين الثاني والثالث في الدقيقتين 20 و63.
ومع استمرار الانهيار الدفاعي لإنتر، أضاف كفاراتسخيليا الهدف الرابع في الدقيقة 73، ليختتم البديل سيني مايولو المهرجان الباريسي بالهدف الخامس في الدقيقة 86.
وبهذا الفوز، تكبد إنتر خسارته الثانية على التوالي في النهائي بعد تعثره أمام مانشستر سيتي في 2023، ليتوقف رصيده عند ثلاثة ألقاب، بينما دخل باريس سان جيرمان رسمياً نادي النخبة الأوروبية من أوسع أبوابه.
شمولية تميّز حصاد الرياضة في 2025
لم يقتصر العام على كرة القدم والسيارات، بل امتد ليشمل الرياضات الشتوية، حيث سجلت السعودية حضورًا تاريخيًا بوفد رسمي في الألعاب الآسيوية الشتوية، بما يعكس رغبة المملكة في كسر القواعد النمطية وتقديم نموذج رياضي متكامل.
وفي كرة السلة، تحولت جدة إلى "خلية نحل" في أغسطس باستضافتها لنهائيات كأس آسيا لكرة السلة 2025، حيث شهدت البطولة حضورًا جماهيريًا قياسيًا، وتطورًا كبيرًا في مستوى المنتخب السعودي الذي نافس بقوة على المراكز المتقدمة.
ويقودنا التأمل في حصاد الرياضة في 2025 إلى نتيجة واحدة، وهي أن الرياضة لم تعد مجرد ترفيه، بل هي لغة القوة والسياسة والاقتصاد.
نجحت الدول العربية، وتحديدًا السعودية والمغرب، في سحب البساط التنظيمي من القوى التقليدية، مقدمةً نماذج يحتذى بها في الدمج بين الأصالة والتقنية الحديثة.
وسيبقى عام 2025 عالقًا في الأذهان كالعام الذي ولدت فيه الأولمبياد الإلكترونية، والعام الذي شهد أكبر مونديال للأندية، والعام الذي أثبت فيه العرب أنهم ليسوا مجرد ضيوف في المحافل الكبرى، بل هم صناعها وقادتها الحقيقيون.
