في ديسمبر 2021، عاشت كرة القدم العربية لحظة فارقة، حين استضافت قطر النسخة الأولى من كأس العرب تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) رسمياً، لتعطي للحدث صبغة عالمية واعترافاً دولياً غير مسبوق.
لم تكن البطولة مجرد حدث كروي، بل صياغة جديدة لرواية عربية واحدة، وفتحت بابًا لذكريات ستبقى طويلاً في الوجدان العربي، حيث تحوّلت الملاعب المونديالية في الدوحة إلى مشاهد حيّة، تداخل فيها التنافس الرياضي مع القصص الإنسانية والصور الخالدة، وصنعت لحظات لا تُنسى في النسخة الأولى لكأس العرب بشكله الجديد.
ونستعيد في هذا التقرير أبرز 6 لقطات مميزة في ذاكرة كأس العرب 2021، من النهائي التاريخي، إلى التألق الفردي، إلى الدراما العربية المتقاطعة بين الجزائر، تونس، مصر، المغرب، والأردن.
الجزائر تتوّج بطلة للعرب لأول مرة
تُعد لحظة تتويج الجزائر بكأس العرب 2021 من أكثر المشاهد رسوخًا في ذاكرة البطولة، ففي استاد البيت بمدينة الخور، احتشد أكثر من 60 ألف متفرج ليشهدوا ليلة استثنائية، جمعت منتخبين يملكان تاريخًا مشتركًا في الجغرافيا وتنافسًا متواصلاً في كرة القدم: الجزائر وتونس.
دخل المنتخبان النهائية مُثقلين بالإجهاد بعد طريق شاق؛ تونس أطاحت بعمان ثم مصر، والجزائر تخطت المغرب ثم قطر في نصف نهائي ملتهب انتهى بهدف قاتل من يوسف بلايلي.
ورغم غياب لاعبين محترفين في أوروبا عن المنتخبين، عكس النهائي روحًا قتالية أكبر من أي غياب، إذ بدأ الشوط الأول بضغط تونسي صريح، ورأسية ارتطمت بالعارضة ثم تسديدة للسليتي أبعدها مبولحي ببراعة، قبل أن ترد الجزائر بمحاولات خطيرة من بونجاح والبلايلي.
لكن المباراة احتاجت وقتًا إضافيًا لتفتح باب التاريخ، وفي الدقيقة العاشرة من الشوط الإضافي الأول، صعد أمير سعيود من الظل إلى الضوء، بهدف يساري جميل، هو الوحيد في مسيرته مع المنتخب الجزائري، كأنه كتب لحظته الخاصة في رواية البطولة.
تونس لم تستسلم، لكن الإرهاق كان واضحًا، وفي اللحظات الأخيرة جاء القاضية، حين تقدم حارس تونس في ركنية، الكرة تُبعد، وتنتهي عند ياسين براهيمي الذي انطلق من قبل منتصف الملعب، وسجّل الهدف الثاني، ليعلن الجزائر بطلة لكأس العرب للمرة الأولى في تاريخها، والسادس عربيًا بعد العراق والسعودية ومصر وتونس والمغرب.
كانت ليلة عاطفية، امتلأت بدموع اللاعبين واحتفالات الجماهير ورقصات المدرجات، وكرّست نجاح النسخة الأولى من البطولة تحت مظلة الفيفا.
أحمد رفعت.. لحظة لا تموت في ذاكرة المصريين
من بين كل مشاهد كأس العرب 2021، ربما لم يكن هناك مشهد أكثر إنسانية وخلودًا من لحظة تألق الراحل أحمد رفعت مع منتخب مصر.
رفعت، الذي رحل لاحقًا بسبب مضاعفات توقف عضلة القلب، شارك في البطولة كآخر محطة دولية في حياته، ولم يكن قد لعب للمنتخب منذ 2013، لكن كارلوس كيروش منحه فرصة جديدة بعد ثماني سنوات من الغياب.
في مباراة السودان بدور المجموعات، كانت مصر مثقلة بالشكوك بعد أداء باهت أمام لبنان، ثم جاءت الدقيقة الرابعة، وركلة حرة ارتطمت بالعارضة وعادت لرفعت، ليُطلق بيسراه صاروخًا لا يُصد، هدفًا أصبح أحد أجمل لقطات البطولة وأكثرها تداولًا.
لم يكن الهدف لحظة مهارية فقط، بل قصة لاعب قاتل من أجل فرصة، ونجح في استغلالها.
رفعت نفسه قال عن تسديدته:
"لم أتردد في التسديد، ولم أتوقع أن الكرة ستذهب بهذا الشكل الرائع"
واصل رفعت تألقه أمام الأردن في ربع النهائي، وسجّل هدف التقدم في ريمونتادا مصرية انتهت 3-1، وبذلك أصبح هدّاف مصر في البطولة، وترك بصمة لم تُمحَ حتى بعد رحيله، وبالرغم من أنها كانت بطولة رفعت الأولى والأخيرة، لكن اللحظة التي صنعها في استاد 974 ستظل واحدة من اللقطات التي لا تموت.
كلاسيكو عربي مثير.. مصر وتونس دراما الثواني الأخيرة
في نصف النهائي، شهد استاد 974 واحدة من أكثر مبارياته إثارة في البطولة، حين التقى منتخبا مصر وتونس في مواجهة كلاسيكية بين عملاقين عربيين.
منذ البداية، بدت المباراة تكتيكية على أعلى مستوى، تونس بضغطها العالي وسرعة أطرافها، ومصر بتنظيمها الدفاعي واعتمادها على المرتدات المحكمة، وبقي اللقاء متوازنًا حتى الدقيقة 90+4، عندما جاءت اللحظة التي غيّرت كل شيء.
كرة ثابتة داخل المنطقة، عمر السولية يرتقي لإبعادها، لكن الكرة تُغير اتجاهها وتسكن شباك الشناوي، هدف عكسي قاتل صدم الجماهير المصرية، وفتح أبواب الاحتفال للتونسيين.
كانت لحظة قاسية، لكنها واحدة من أبرز مشاهد البطولة، حيث خسر الفراعنة بطاقة النهائي في ثوانٍ قليلة.
لاحقًا، خاض المنتخب المصري مباراة المركز الثالث أمام قطر، وانتهت بالتعادل السلبي ثم خسارة بركلات الترجيح، ليكتفي بالمركز الرابع.
مصر والجزائر.. قمة الصدارة التي حسمتها البطاقات
واحدة من أغرب النهايات في البطولة جاءت في قمة استاد الثمامة بين مصر والجزائر، حين انتهت المباراة بالتعادل 1–1، لكن الصدارة حُسمت وفق قواعد اللعب النظيف.
سجلت الجزائر أولًا، وسجل السولية التعادل من ركلة جزاء.
لكن الحكاية لم تكن في الأهداف، بل في البطاقات:
- مصر: حصلت على 3 بطاقات صفراء
- الجزائر: حصلت على 4 بطاقات صفراء + بطاقة حمراء
وهكذا، تصدرت مصر المجموعة رغم التعادل، في مشهد نادر من نوعه، أضاف لمسة درامية إلى البطولة، وفيما بعد واصلت الجزائر طريقها حتى النهائي، فيما توقف مشوار مصر في نصف النهائي.
ريمونتادا مصر أمام الأردن.. واحدة من أجمل مباريات البطولة
مباراة مصر والأردن في ربع النهائي كانت من أكثر لحظات البطولة إثارة، إذ جمعت كل عناصر الدراما الكروية، تقدم مبكر، رد متأخر، وقت إضافي، وريمونتادا كاملة.
بدأ الأردن بقوة وسجل يزن النعيمات هدفًا مبكرًا، ثم عاد مروان حمدي في الدقيقة 45+1 بهدف رأسي مذهل أعاد مصر للمباراة، وفي الوقت الإضافي، تألق أحمد رفعت مجددًا، مسجلًا هدفًا منح الفراعنة التقدم، قبل أن يضيف مروان داوود الهدف الثالث في الدقيقة 120، في مباراة عكست الروح القتالية للمنتخب المصري في البطولة.
الجزائر والمغرب.. قمة مغاربية تاريخية
واحدة من أعظم مباريات كأس العرب 2021 كانت تلك التي جمعت الجزائر والمغرب في استاد الثمامة، المباراة كانت ملحمة كاملة، حيث براهيمي سجل للجزائر من ركلة جزاء، ثم عاد النهيري بالمغرب إلى المباراة برأسية قوية، قبل أن يضع بلايلي الجزائر في المقدمة بهدف “عابر للقارات”، لكن المدافع المغربي بدر بانون أعاد التعادل من كرة ثابتة.
ذهبت المباراة إلى ركلات الترجيح، وسجلت الجزائر جميع الركلات، فيما أهدر المغرب ركلتين، لتنتهي القمة بنتيجة 5-3، ويتأهل المنتخب الجزائري إلى نصف النهائي، بعد مباراة لا تُنسى، كتبت واحدة من أكثر الليالي جنونًا في البطولة.
بطولة صنعت ذاكرة جديدة لكرة القدم العربية
شكّلت نسخة 2021 من كأس العرب—وباعتبارها أول بطولة تُقام تحت إشراف الفيفا—خطوة غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم العربية.
من التنظيم الاستثنائي، إلى امتلاء الملاعب، إلى الدراما الكروية، إلى المشاهد الإنسانية التي صنعت قصصًا خالدة، نجحت البطولة في تقديم صورة جديدة للكرة العربية للعالم.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
بطولة كأس العرب.. المتعة المُغلّفة بالوحدة تعود من جديد
5 شروط غريبة من "كيم" لبث الدوري الإنجليزي في كوريا الشمالية
