مع تصاعد أزمة التلوث البلاستيكي، يقترح خبراء الاعتماد على البلاستيك القابل للتحلل الحيوي المصنوع من مواد طبيعية. لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن هذه البدائل ليست خالية من المخاطر البيئية.
تصاعد أزمة التلوث البلاستيكي
ووفقًا لموقع " livescience" تضاعف الإنتاج العالمي للبلاستيك ليصل إلى 400 مليون طن متري في 2022، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر بحلول 2050، بينما تُعاد تدوير أقل من 10% فقط من النفايات. الجزء الأكبر من هذا الإنتاج مخصص للاستخدام لمرة واحدة، ما يزيد الأزمة تعقيدًا.
وفي محاولة دولية للتصدي للمشكلة، اجتمع أكثر من 2600 مندوب من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في أغسطس 2025 للتفاوض على اتفاقية لإنهاء التلوث البلاستيكي. لكن النقاشات انهارت بسبب خلافات جوهرية حول مدى إلزامية التدابير، حيث تمسكت دول إنتاج البلاستيك والنفط، المعروفة بـ"المجموعة المتشابهة"، بالتركيز على إعادة التدوير والاستهلاك، ورفضت فرض قيود على الإنتاج.
لا يزال التلوث البلاستيكي في البيئات البرية والبحرية يشكل أزمة مستمرة، ويستدعي البحث عن حلول فعّالة، بدءًا من تطوير مواد بديلة صديقة للبيئة.
تشهد المشاهد اليومية آثار هذه الأزمة بوضوح: أنهار مكتظة بأكوام النفايات البلاستيكية حتى يكاد الماء يختفي عن الأنظار، شواطئ مغطاة بالبلاستيك تجعل من المستحيل التجول عليها، وأكياس بلاستيكية عالقة في الأشجار والنباتات على جوانب الطرق. مجرد هذه الصور القبيحة تكفي لإقناع أي شخص بضرورة التحرك.
لكن، الجماليات ليست سوى جزء من المشكلة؛ فالتلوث البلاستيكي يحمل معه مخاطر بيئية وصحية أوسع بكثير، تتجاوز مجرد المشهد المزعج لتطال الكائنات الحية والنظم البيئية بأكملها.
في ورقة بحثية نُشرت يوليو 2025 في مجلة نيتشر، قدّم العلماء قائمة شاملة تضمنت 16,325 مادة كيميائية بلاستيكية معروفة، وحدّدوا منها أكثر من 4,200 مادة مثيرة للقلق، إذ تعتبر سامة، غير قابلة للتحلل طبيعيًا، وتراكمية في الكائنات الحية. هذه المواد، التي تُطلَق طوال دورة حياة البلاستيك، تُعرّض البشر والبيئات لمخاطر مستمرة وعواقب صحية وبيئية خطيرة.
وتوضح سوزان براندر، أستاذة مشاركة في علوم مصايد الأسماك والحياة البرية والحفاظ على البيئة بجامعة ولاية أوريغون: "تضاف هذه المواد الكيميائية بشكل متعمد أو غير مقصود خلال دورة حياة البلاستيك، من استخراج المواد الخام وصولًا إلى نهاية العمر. لا يمكن التنبؤ بعدد المواد الكيميائية في أي قطعة بلاستيكية، والخلاصة الأهم أن لا يوجد نوع آمن من البلاستيك، فجميعها تحتوي على خلطات قد تسبب مشاكل".
وتشير الدراسة إلى أن 6% فقط من المواد الكيميائية البلاستيكية تخضع للتنظيم الدولي، بينما تخضع حوالي 1000 مادة للوائح وطنية، ما يترك غالبية هذه المواد خارج نطاق الرقابة.
مخاطر تحلل البلاستيك
عند خروج البلاستيك إلى البيئة، يتحلل تدريجيًا إلى جزيئات أصغر وأصغر. وتعرف الجزيئات التي يقل قطرها عن 5 ملليمترات باسم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، والتي تشكل الشكل الأكثر شيوعًا للتلوث في البحار والسواحل.
تلتصق بهذه الجسيمات مواد كيميائية سامة ومسببة لاضطرابات الغدد الصماء عبر عملية تُعرف بالامتزاز، ما يجعلها ناقلات خطيرة للسموم. تتعرض لها الطيور البحرية والكائنات العوالقية مثل الأسماك والشعاب المرجانية، التي تبتلع هذه الجسيمات وتدخلها في السلسلة الغذائية.
وأظهرت دراسات حديثة أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة أيضًا في أعضاء وأنسجة الإنسان، حيث يمكن أن تتسبب في شيخوخة الخلايا، تغيّر التعبير الجيني، زيادة الإجهاد التأكسدي، وحدوث الالتهابات، ما يبرز خطورة هذا النوع من التلوث على الصحة العامة.
أفاد باحثون مؤخرًا بوجود جزيئات البلاستيك النانوية في المحيطات بكميات تقارن بتلك الخاصة بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة. ويبلغ قطر هذه الجزيئات أقل من ميكرومتر واحد، في حين يبلغ سمك شعرة الإنسان حوالي 100 ميكرومتر. وتشير التقديرات إلى أن الطبقة العليا من شمال المحيط الأطلسي تحتوي على نحو 27 مليون طن متري (حوالي 30 مليون طن أمريكي) من هذه الجزيئات.
وبفضل صغر حجمها، تتصرف الجزيئات النانوية بشكل مختلف عن الجسيمات الأكبر: فهي تفقد الطفو وقد تغوص إلى أعماق المحيط، كما يمكنها عبور الحواجز الخلوية في رئة الإنسان وأمعائه، مما يتيح لها التأثير على الأنظمة البيولوجية على المستوى الخلوي والجزيئي، ما يجعلها مصدر قلق متزايد للصحة العامة والبيئة البحرية.
حلول مقترحة لأزمة تلوث البلاستيك
من الحلول الشائعة لمشكلة تلوث البلاستيك جعل المواد قابلة للتحلل الحيوي، بحيث تتحلل طبيعيًا بواسطة كائنات حية كالبكتيريا والفطريات إلى ماء وثاني أكسيد الكربون وكتلة حيوية. يعتمد معدل التحلل على نوع الكائنات الحية والظروف البيئية مثل الحرارة والضوء والهواء، بينما تتحلل المواد "القابلة للتحلل" بسرعة أكبر تحت ظروف محددة يتحكم فيها الإنسان.
كما تقترح مسودة معاهدة الأمم المتحدة للبلاستيك تعزيز التحلل الحيوي للبلاستيك، فيما توصي الأكاديميات الوطنية الأمريكية بإعادة تصميم المنتجات البلاستيكية باستخدام مبادئ الكيمياء والهندسة الخضراء.
يشدد مؤلفو رسالة نُشرت في يونيو 2025 بمجلة ساينس على ضرورة تصميم البلاستيك القابل للتحلل الحيوي بشكل صحيح. فمعظم هذه المواد مزيج من موارد حيوية طبيعية ومواد بتروكيماوية، وقد تُطلق عند تعرضها للعوامل الجوية مواد كيميائية ضارة مثل حمض التيريفثاليك وبيسفينول أ، المرتبطة باضطرابات وراثية وتناسلية ومناعية.
وتوصي الرسالة بأن يحدد مطورو البلاستيك كيفية تحلل المكونات السامة بالكامل وتصميم المواد للتحلل المتحكم فيه، فيما يدعو علماء آخرون، بمن فيهم براندر، إلى التخلص التدريجي من المواد الكيميائية السامة في الإنتاج.
تحديات البلاستيك الحيوي
تواجه المواد البلاستيكية المركبة على الوقود الأحفوري مشكلة صعوبة فصل مكوناتها، ما يجعل معظمها يُدفن أو يُحرق بدل إعادة التدوير أو التحويل إلى سماد. يقترح العلماء أن تغيير التصميم واختيار المواد قد يقلل هذه المشكلة.
أما المواد "الحيوية"، مثل حمض البولي لاكتيك (PLA) المصنوع من الذرة أو قصب السكر، فتتطلب زراعة مكثفة قد تؤدي إلى إزالة الغابات وتلوث المياه، وتستهلك حوالي 800,000 هكتار من الأراضي الزراعية لإنتاج 1% فقط من البلاستيك العالمي.
أما بالنسبة لـ ثنائي أسيتات السليلوز (CDA)، المستخدم في المصاصات وأغلفة الطعام، أظهرت الدراسات أن تحلله البيولوجي في البيئات البحرية محدود جدًا، رغم أن الميكروبات قادرة على تحلله في التربة ومياه الصرف والمحيط.
تشير براندر إلى أن البلاستيك الحيوي يتحلل إلى جسيمات دقيقة ونانوية مثل البلاستيك التقليدي، وقد يحتوي على نفس الخلطات الكيميائية. كما تحذر من أن اختبارات التحلل غالبًا ما تُجرى في المختبر تحت ظروف مختلفة، وليست بالضرورة مماثلة للبيئة الطبيعية، ما يستدعي مراعاة الظروف الواقعية عند تقييم فعاليته.
نجح علماء معهد وودز هول لعلوم المحيطات في ماساتشوستس بتجربة تحلل ثنائي أسيتات السليلوز (CDA) في خزان مياه بحرية متدفقة، محاكين فيه البيئة الساحلية الطبيعية مع التحكم في درجة الحرارة والضوء.
أظهرت النتائج أن نسخة المادة الرغوية تتحلل أسرع بكثير من النسخة الصلبة، حيث توفر الرغوة مساحة أكبر لتعلق الميكروبات، التي تحوّل المادة إلى ثاني أكسيد الكربون والماء. ويشير كولين وارد، الكيميائي البحري المؤلف الرئيسي للدراسة، إلى أن هذا النهج واعد لتقليل المواد البلاستيكية المتسربة في البيئة، خصوصًا أن نحو 15% من البلاستيك على الشواطئ عام 2022 كان حاويات رغوية للوجبات الجاهزة.
ومع ذلك، يظل CDA غير مثالي، إذ أن إنتاجه يستهلك طاقة كبيرة ويولد نفايات كيميائية، لكن تطبيق مبادئ الكيمياء والهندسة الخضراء يمكن أن يخفف هذه المشكلات جزئيًا.
يشكل مصدر السليلوز عيبًا محتملاً في ثنائي أسيتات السليلوز (CDA) كما هو الحال مع PLA. ومن طرق الحد من هذه المشكلة توريد لب الخشب بشكل مستدام عبر برامج مثل شهادة سلسلة الوصاية من مجلس رعاية الغابات. كما يمكن استخدام النفايات الصناعية أو الغذائية أو المواد الخام من الأراضي الزراعية الهامشية كخيار أكثر استدامة.
تكلفة البلاستيك الحيوي
قد تكون تكلفة تصنيع CDA هي العائق الرئيسي، إذ تؤكد الدراسات أن البلاستيك الحيوي أغلى من البلاستيك التقليدي. لكن التلوث البلاستيكي له تكلفة اقتصادية وبيئية كبيرة؛ تشير تحليلات إلى أن تحويل مواد التغليف البلاستيكية المتراكمة في المحيطات يمكن أن يعيد 80 إلى 120 مليار دولار للاقتصاد العالمي.
ورغم أن البلاستيك القابل للتحلل يقلل فترة بقاء النفايات، فإن المشكلة الأكبر تكمن في الاستخدام مرة واحدة. كمثال، يُستخدم الكيس البلاستيكي الواحد متوسط 12 دقيقة فقط قبل التخلص منه. لذلك، يشدد الخبراء على التركيز على الاستخدامات الأساسية وتقليل الاستهلاك.
تشير براندر إلى أن الأمل قائم في المعاهدة العالمية للبلاستيك، مع اقتراحات بوجود جهة منسقة بديلة لتعزيز التفاوض، كما حدث في معاهدات بيئية سابقة مثل CITES. لكنها تحذر من أنه مهما كانت الخطط، حل مشكلة التلوث البلاستيكي يتطلب جهدًا مستمرًا ولا توجد حلول سريعة.
اقرأ أيضًا :














