عندما نفكر في الحواس الحيوية لبقاء الكائنات الحية، غالبًا ما تتصدر الرؤية والسمع القائمة. لكن هناك حاسة خفية لا تقل أهمية: الشم. في عالم الحيوان، أقوى حاسة شم أو على الأقل حاسة الشم التي على قدر جيد من القوة قد تعني الفارق بين الحياة والموت، بين العثور على شريك تزاوج أو الضياع، بين صيد وجبة أو أن تكون وجبة. ولكن السؤال الذي يُطرح كثيرًا: أي الكائنات يملك أقوى حاسة شم؟
الزواحف، الثدييات، الطيور، والأسماك، جميعها تعتمد على الشم، لكن قياس قوتها في ذلك أمر بالغ التعقيد. كما يقول الباحث ماتياس لاسكا: “من غير العلمي إصدار أحكام نهائية حول من يملك حاسة شم أفضل، لأننا لم نختبر إلا نسبة ضئيلة من الروائح المتوفرة”.
الروائح نفسها يصعب التعامل معها علميًا. على عكس الضوء أو الصوت، الرائحة غير مستقرة، تتصرف بشكل مختلف في الهواء والماء، وتتنوع في بنيتها الكيميائية، ما يجعل دراستها صعبة وتقدم الأبحاث فيها بطيئًا.
رغم التحديات، هناك مؤشرات يمكن الاعتماد عليها نسبيًا، أبرزها عدد الجينات المسؤولة عن مستقبلات الشم. دراسة نُشرت عام 2014 قارنت بين 13 نوعًا من الثدييات، وجاءت النتائج مدهشة:
هذا منطقي إذا عرفنا أن الفيلة تعتمد على الشم في التنقل، الأكل، التواصل الاجتماعي، وحتى تحديد توقيت خصوبة الإناث.
لكن هذه الدراسة لم تشمل بعض الحيوانات المشهورة بحاسة شم خارقة مثل الدببة، التي يُعتقد أنها تستطيع شم الطعام من على بعد كيلومترات.
في الدماغ، توجد منطقة تُسمى “البصلة الشمية”، وهي المسؤولة عن معالجة الروائح. بعض العلماء ربطوا بين كبر حجم هذه المنطقة وقوة الشم. الكلاب مثلًا، تمتلك بصلة شمية أكبر بكثير من البشر، ما يتماشى مع قدرتها الفائقة على تتبع الروائح. لكن مراجعة علمية نُشرت في مجلة Science عام 2011 أشارت إلى أن عدد الخلايا العصبية في البصلة الشمية متقارب بين الأنواع، حتى لو اختلف حجمها، ما يعني أن الحجم لا يعكس دائمًا القدرة.
لا يبدو مميزًا، لكنه مدرّب للكشف عن الألغام الأرضية وأمراض مثل السل بدقة تفوق أجهزة متقدمة.
الذكر يمكنه أن يشم رائحة الأنثى من مسافة تصل إلى 4.5 كيلومتر، بل يمكنه أحيانًا التقاط جزيء فرمون واحد فقط. إنها دقة لا تُضاهى.
رغم أنها طيور، إلا أنها تمتلك قدرة مذهلة على شم الجيف من الجو، وهو أمر نادر في الطيور التي تعتمد عادة على النظر أكثر من الشم.
رائحتها المائية أسطورية، ويمكن لبعض الأنواع شم تركيزات ضئيلة تصل إلى جزء من عشرة مليارات. لكن، الادعاء بأنها تستطيع شم “قطرة دم في محيط كامل” ليس دقيقًا.
بالمقارنة مع الحيوانات، يبدو أن البشر متخلفون في حاسة الشم. لكن المدهش أننا نتفوق على الكلاب في شم بعض روائح الفاكهة! السبب؟ السلوك. الروائح المرتبطة بالطعام الذي يعنينا كبشر لها أهمية تطورية جعلت دماغنا يتعامل معها بكفاءة أكبر.
كل حيوان يملك حاسة شم طُوِّرت لتناسب حاجاته البيئية. لا يمكن مقارنة الفيل الذي يتنقل في البراري بالعثة التي تبحث عن شريك ليلي، أو بالجرذ الذي يحدد طعامه وسط الظلام. كما يوضح الباحثون: السؤال ليس “من الأقوى في الشم؟” بل “من هو الأبرع في شم ما يحتاجه ليبقى حيًا؟”