جذور الصراع بين الصين وتايوان.. الحرب الأهلية ونقطة الانفصال

ديسمبر ٢٣, ٢٠٢٥

شارك المقال

جذور الصراع بين الصين وتايوان.. الحرب الأهلية ونقطة الانفصال

بدأت ملامح الصراع بين الصين وتايوان تتشكل فعليًا خلال الحرب الأهلية الصينية التي اندلعت في عام 1927، وهي المواجهة الدامية التي وضعت الحزب الشيوعي بقيادة ماو زيدونغ في مواجهة الحزب القومي (الكومينتانغ) بزعامة تشيانغ كاي شيك.

واستمرت هذه الحرب سنوات طويلة تخللها غزو ياباني، لكنها انتهت في عام 1949 بانتصار ساحق للشيوعيين الذين أعلنوا تأسيس جمهورية الصين الشعبية في بكين.

وفي تلك اللحظة التاريخية الفارقة، اضطر تشيانغ كاي شيك إلى الفرار مع نحو 1.5 مليون من مؤيديه وقواته إلى جزيرة تايوان، حيث نقل مقر حكومة "جمهورية الصين" إلى هناك، ليبدأ الفصل السياسي والعسكري الفعلي بين الصين القارية والجزيرة.

عقود من الشقاق في الصراع بين الصين وتايوان

تشير السجلات التاريخية الصينية أن بكين تعتبر الجزيرة جزءًا لا يتجزأ من أراضيها منذ القرن الثالث الميلادي، كما استندت في دعواها إلى فترة حكم سلالة تشينغ قبل أن تقع الجزيرة تحت الاستعمار الياباني عام 1895.

ومع استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، عادت تايوان إداريًا إلى عهدة القوميين، إلا أن الهزيمة في البر الرئيسي حولت الجزيرة إلى معقل أخير لنظام الكومينتانغ.

ومنذ ذلك الحين، يصر قادة بكين على "إعادة التوحيد" كهدف لا يقبل القسمة، معتبرين أن الصراع بين الصين وتايوان لن ينتهي إلا بعودة السيادة الكاملة للبر الرئيسي، ولو تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية.

وتغيرت موازين القوى الدولية تجاه تايوان بشكل دراماتيكي في السبعينيات؛ فبعد أن كانت تايوان تشغل مقعد الصين في الأمم المتحدة، صوتت الجمعية العامة في عام 1971 لصالح الاعتراف ببكين كحكومة شرعية وحيدة.

وتبع ذلك تحول مفصلي في عام 1979 عندما قررت الولايات المتحدة قطع علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع تايوان لتقيمها مع جمهورية الصين الشعبية، مدفوعة برغبة واشنطن في استغلال الانقسام السوفيتي الصيني وفتح آفاق تجارية جديدة.

ومع ذلك، لم تترك واشنطن تايوان وحيدة، بل سنت "قانون العلاقات مع تايوان" الذي يلزمها بتزويد الجزيرة بأسلحة دفاعية، مما أضفى صبغة "الغموض الاستراتيجي" على الموقف الأمريكي.

ويواجه الوضع الدولي لتايوان اليوم تحديات هائلة، إذ لا يعترف بها رسميًا سوى عدد قليل جدًا من الدول، يتناقص باستمرار نتيجة الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية التي تمارسها بكين.

وتصر الصين على مبدأ "الصين الواحدة"، مؤكدة أن أي دولة ترغب في إقامة علاقات مع بكين يجب أن تقطع صلاتها الرسمية مع تايبيه.

ورغم هذا الحصار الدبلوماسي، تظل تايوان عضوًا في منظمات دولية اقتصادية مثل منظمة التجارة العالمية، مستمدة قوتها من اقتصادها المتطور ومكانتها كأكبر مصنع لأشباه الموصلات في العالم، وهو ما يجعل استقرارها مصلحة حيوية للمجتمع الدولي بأسره.

تصاعد حدة الصراع بين الصين وتايوان

شهدت تايوان تحولًا داخليًا عميقًا منذ وفاة تشيانغ كاي شيك، حيث انتقلت من الديكتاتورية العسكرية تحت قانون الأحكام العرفية إلى ديمقراطية نابضة بالحياة في التسعينيات.

أدى هذا التحول إلى بروز الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يتبنى هوية تايوانية منفصلة ويرفض مبدأ التبعية للصين، وهو ما يثير حفيظة بكين بشكل مستمر.

وتعتبر الصين قادة هذا الحزب، مثل الرئيسة السابقة تساي إنغ ون والرئيس الحالي ويليام لاي، "انفصاليين" يهددون الوحدة الوطنية.

وفي المقابل، يميل حزب الكومينتانغ المعارض إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع البر الرئيسي مع الحفاظ على الوضع الراهن، مما يعكس انقسامًا داخليًا حول كيفية إدارة الصراع بين الصين وتايوان.

وتصاعدت التوترات العسكرية بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حيث كثفت بكين من مناوراتها الجوية والبحرية حول الجزيرة.

ويؤكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن مسألة تايوان لا يمكن أن تورث من جيل إلى جيل، واضعًا عام 2049 كحد أقصى لتحقيق "الحلم الصيني" بالتوحيد الشامل.

وترى تايوان في هذه التحركات "حرب منطقة رمادية" تهدف إلى استنزاف قواها الدفاعية وزرع اليأس في نفوس مواطنيها البالغ عددهم 23 مليون نسمة.

ورغم هذه الضغوط، تشير استطلاعات الرأي أن أغلبية التايوانيين يفضلون الحفاظ على الوضع الراهن، رافضين صيغة "دولة واحدة ونظامان" التي طبقتها بكين في هونغ كونغ.

الروابط الاقتصادية مقابل الصراع بين الصين وتايوان

وتبرز مفارقة عجيبة عند النظر إلى الجانب الاقتصادي، فبينما يشتعل التوتر السياسي، يظل البر الرئيسي الصيني الشريك التجاري الأكبر لتايوان.

وتدفقت الاستثمارات التايوانية بمليارات الدولارات نحو المصانع الصينية على مدار عقود، مما خلق حالة من "الاعتماد المتبادل المعقد" التي قد تعمل ككابح لأي مواجهة عسكرية شاملة.

ومع ذلك، بدأت تايبيه مؤخرًا استراتيجية "التحرك جنوبًا" لتنويع استثماراتها بعيدًا عن الصين، تزامنًا مع سعي الولايات المتحدة لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية محلياً لتقليل الاعتماد على مضيق تايوان الذي قد يتحول في أي لحظة إلى ساحة معالجة عسكرية.

ويعتقد العديد من المحللين أن تكلفة الحرب في مضيق تايوان ستكون كارثية على الاقتصاد العالمي، حيث يمر عبره جزء هائل من التجارة الدولية.

وتراقب بكين عن كثب الدروس المستفادة من الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما تسعى تايبيه لتعزيز مفهوم "حصن تايوان" أو "استراتيجية القنفذ" لجعل تكلفة أي غزو صيني باهظة للغابة.

السيناريوهات المستقبلية في ظل الصراع بين الصين وتايوان

ويقف العالم اليوم أمام منعطف خطير مع تزايد احتمالات سوء التقدير في هذا الملف الشائك، وتؤكد بكين أن قضية تايوان هي "خط أحمر" لا يمكن تجاوزه، محذرة من أي تدخل خارجي، لا سيما من قبل واشنطن.

وفي المقابل، عززت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء تحت قيادة ترامب أو بايدن، من وتيرة مبيعات الأسلحة والزيارات الرسمية رفيعة المستوى لتايوان، مما زاد من قناعة بكين بأن الغرب يسعى لاستخدام الجزيرة كأداة لاحتواء صعود الصين العالمي، في حين أن تطور الصراع بين الصين وتايوان سيعيد بلا شك تشكيل النظام العالمي في العقود المقبلة.

وتشير التحركات الأخيرة إلى أن بكين لم تعد تكتفي بالخطابات السياسية، بل بدأت في محاكاة حصار شامل للجزيرة عبر مناورات "السيف المشترك".

وتدرك تايبيه أن صمودها يعتمد ليس فقط على قوتها العسكرية، بل على تماسك جبهتها الداخلية والدعم الدولي الصريح.

ومع اقتراب الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، تزداد الضغوط على القيادة الصينية لتحقيق نتائج ملموسة، مما يجعل عقد الثلاثينيات من هذا القرن الفترة الأكثر خطورة في تاريخ الصراع بين الصين وتايوان منذ انتهاء الحرب الأهلية.

وتظل الحقيقة الثابتة أن تايوان ليست مجرد جزيرة، بل هي رمز لمواجهة أيديولوجية كبرى بين نموذج ديمقراطي ليبرالي ونظام سلطوي صاعد.

وبينما تحلق المقاتلات فوق المضيق، يترقب العالم بصمت، مدركًا أن أي شرارة في هذا المكان قد تشعل حريقًا عالميًا يتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech

جذور الصراع بين الصين وتايوان.. الحرب الأهلية ونقطة الانفصال - العلم