سيناريوهات قاتمة تواجه خطة أمريكا لنزع سلاح حزب الله

ديسمبر ٢١, ٢٠٢٥

شارك المقال

سيناريوهات قاتمة تواجه خطة أمريكا لنزع سلاح حزب الله

تمثّل قضية نزع سلاح حزب الله أحد الأركان الأساسية في الرؤية الأمريكية الجديدة لإعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث تسارع واشنطن الخطى لتحويل الكيان المحتل إلى "قوة منظمة" للمنطقة عبر استثمار انكسارات المحور الذي تقوده إيران.

وتكشف التطورات المتلاحقة التي شهدها عام 2025 عن إصرار إدارة البيت الأبيض على تصفية الوجود العسكري للفصائل المسلحة في لبنان، تزامنًا مع انشغال القوى الكبرى بملفات أوكرانيا والصين، ما جعل من الساحة اللبنانية ميدان اختبار لمدى قدرة الدبلوماسية الأمريكية على فرض واقع أمني جديد يفيدها وحليفها الأهم في المنطقة.

أمريكا تستثمر الانكسار لنزع سلاح حزب الله

تبدو واشنطن اليوم أكثر استعجالًا من أي وقت مضى في حسم الملف اللبناني، مستغلة حالة الضعف العسكري التي أصابت حزب الله عقب المواجهات الأخيرة مع الاحتلال، والتي أسفرت عن فقدان الحزب لرموز قيادية تاريخية وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله.

ويرى مراقبون أن سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024 شكل ضربة قاضية لخطوط الإمداد الاستراتيجية للحزب، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى تكثيف ضغوطها لتنفيذ نزع سلاح حزب الله كشرط أساسي لدمج لبنان في النظام الإقليمي الذي تحاول تشكيله.

قدّم المبعوث الأمريكي، توم باراك، خريطة طريق مفصلة تتجاوز مجرد الترتيبات الحدودية، لتمس جوهر السيادة اللبنانية عبر المطالبة بإنهاء الحالة العسكرية للحزب بالكامل.

وتعتمد هذه المقاربة على استراتيجية "استثمار الانكسار"، حيث تدرك واشنطن أن الحزب يمر بمرحلة من الاكتفاء الذاتي القسري والضيق المالي، ما يجعل الضغط الاقتصادي الموازي للتهديد العسكري وسيلة فعالة لتحقيق مكاسب سياسية كانت تبدو مستحيلة في العقد الماضي.

وتتزامن هذه التحركات مع صعود نخب سياسية جديدة في بيروت تحظى بدعم واشنطن، حيث مثل انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة نواف سلام تحولًا جوهريًا في موازين القوى الداخلية.

ولأول مرة منذ اتفاق الدوحة عام 2008، نجحت الضغوط الأمريكية في كسر "الثلث المعطل" داخل مجلس الوزراء، ما جرد حزب الله من أداة "الفيتو" التي طالما استخدمها لتعطيل القرارات السيادية المتعلقة بسلامة الحدود وسلطة الدولة.

خطة نزع سلاح حزب الله التفصيلية

تتضمن الخطة الأمريكية التي باتت تعرف بـ "ورقة باراك" 11 بندًا جوهريًا تهدف إلى تفكيك البنية العسكرية للحزب وجعل السلاح حصريًا بيد الدولة اللبنانية قبل نهاية عام 2025.

وينص البند الأول من الخطة على التزام لبنان الصارم باتفاق الطائف والقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، مع ضمان أن تكون قرارات الحرب والسلم بيد الحكومة وحدها.

ويتبع ذلك وقف شامل وكامل لكافة الأعمال العدائية برًا وبحرًا وجوًا، تمهيدًا للمرحلة الأكثر تعقيدًا وهي تفكيك كافة الفصائل المسلحة.

وتقترح الوثيقة نشر الجيش اللبناني بكثافة في المناطق الحدودية والداخلية، مقابل انسحاب الاحتلال من خمس نقاط استراتيجية لا تزال تحتلها في الجنوب.

وتتعهد واشنطن في البنود اللاحقة بتأمين عودة السكان وترسيم الحدود الدولية بشكل دائم مع كل من الأراضي المحتلة وسوريا، وصولًا إلى عقد قمة اقتصادية دولية كبرى تهدف إلى ضخ استثمارات هائلة لإعادة إعمار لبنان، شرط أن يسبق ذلك تقدم ملموس في ملف نزع سلاح حزب الله.

وتؤكد المراسلات الدبلوماسية أن الخطة مقسمة إلى أربع مراحل زمنية تبدأ بمرحلة تحضيرية مدتها 15 يومًا، تنتهي بتعهد دستوري من الحكومة اللبنانية بإنهاء المظاهر المسلحة.

وتتضمن المرحلة الرابعة والأخيرة تفكيك الترسانة الثقيلة التي تشمل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي، وتدمير البنية التحتية للأنفاق ومراكز القيادة المحصنة، وهو ما تصفه واشنطن بـ "الفرصة التاريخية" لاستعادة سيادة الدولة اللبنانية كاملة.

سيناريوهات المواجهة وحدود الممكن سياسيًا

ويواجه لبنان اليوم معضلة حقيقية في تنفيذ هذه الإملاءات، إذ تجد الحكومة نفسها في "عين العاصفة" بين مطالب دولية حازمة وواقع داخلي شديد الهشاشة.

وتجلى هذا الانقسام في انسحاب الوزراء الشيعة من اجتماعات الحكومة الأخير، احتجاجًا على مناقشة المقترح الأمريكي قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل.

ويرى حزب الله في هذه الخطة محاولة لفرض "استسلام سياسي" وتجريده من أوراق قوته في لحظة ضعف إقليمي، مهددًا باللجوء إلى الشارع لمنع تنفيذ القرار.

وتبرز هنا ثلاثة سيناريوهات محتملة؛ الأول يتعلق بالضغط الاقتصادي المشروط، حيث تربط واشنطن قروض صندوق النقد الدولي والمساعدات الخليجية بمدى التزام الجيش بعمليات نزع سلاح حزب الله.

أما السيناريو الثاني، فهو التصعيد العسكري المباشر، إذ قد يتخذ الاحتلال من فشل الدبلوماسية ذريعة لشن حملة تدميرية واسعة تستهدف ما تبقى من ترسانة الحزب، مدعومة بصمت دولي أو ضوء أخضر أمريكي لفرض الواقع الجديد بالقوة.

ويتمثل السيناريو الثالث، وهو الأكثر قتامة، في انزلاق البلاد نحو صدام داخلي أو "حرب أهلية محدودة"، حيث قد تؤدي محاولات الجيش لتنفيذ الخطة إلى مواجهات مباشرة مع عناصر الحزب في مناطق التماس الطائفي.

ورغم أن كافة الأطراف تبدي حرصًا ظاهريًا على السلم الأهلي، إلا أن حجم الضغوط الخارجية وتعارض الأجندات الإقليمية يجعل من حتمية نزع سلاح حزب الله صاعق تفجير قد يغير وجه لبنان والمنطقة لسنوات طويلة قادمة.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech