على أرصفة موانئ منطقة بريتاني الفرنسية، تتكدس شباك الصيد القديمة التي طالتها السنون وخرجت من الخدمة لتصنع فرقاً غير متوقع في ساحة حرب بعيدة.
عمر الشباك في أعالي البحار يتراوح عادة بين سنة وسنتين قبل أن تصبح بالية وغير صالحة للاستخدام، وكان التخلص من نحو 800 طن منها سنوياً يمثل صداعاً بيئياً متكرراً لمجتمع الصيد المحلي.
اليوم، وجدت هذه الشباك المصنوعة من شعر الحصان حياة جديدة غير تقليدية: حماية الجنود والمدنيين في أوكرانيا من هجمات الطائرات الروسية المسيّرة.
من خلال مبادرة إنسانية أطلقتها جمعية Kernic Solidarités في بريتاني، تم إرسال شحنتين بلغ مجموعهما 280 كيلومتراً من الشباك إلى أوكرانيا، حيث تُستخدم عند الخطوط الأمامية لصنع أنفاق تحاصر مراوح الطائرات المسيّرة وتشل حركتها قبل الانقضاض على أهدافها.
وقد وصف أحد مسؤولي الجمعية، كريستيان أبازيو، تطور الحرب بقوله: “في البداية لم يكن هناك هاجس للطائرات المسيّرة، أما اليوم فهي حرب المسيّرات، والشباك القديمة تقوم بدور شبكة العنكبوت في إيقاف هذه الطائرات التي أصبحت التهديد الأخطر”.
الأوكرانيون، بحسب أبازيو، لا يقبلون أي شبكة قديمة؛ فالشباك المرسلة يجب أن تكون من النوع شديد الصلابة المخصص لصيد سمك الراهبة من أعماق البحار، نظراً لقوة هذا النوع المشابهة لقوة اصطدام المسيّرات.
في البداية استخدمت هذه الشباك من قبل أطباء الجيش لحماية المخيمات الطبية القريبة من الجبهات، ثم توسع استخدامها لتغطية الطرق والجسور ومداخل المستشفيات.
جرار لو داف، رئيس الجمعية، أوضح أن مبادرة إرسال الشباك جاءت استجابة مباشرة لزيارة السفير الأوكراني إلى الإقليم ونداء المجتمع المحلي للمساهمة “في بريتاني لا نعاني من نقص الشباك، ومشكلة التخلص منها أصبحت عبئاً بعد إغلاق شركات التدوير. إذا كانت هذه الشباك ستبني جدراناً مضادة للطائرات المسيّرة وتوفر الحماية في أوكرانيا، فلتذهب هناك”.
هذه المساهمة لم تقتصر على فرنسا، فقد انضم صيادون من السويد والدنمارك لتبرع بكميات كبيرة من الشباك البالية.
كان المتطوعون الفرنسيون بالفعل قد نقلوا عشرات الأطنان من الملابس والمستلزمات الطبية والغذائية إلى أوكرانيا لمسافة وصلت إلى 2300 كيلومتر.
ومع تزايد الحاجة إلى الشباك، استجابت مجتمع الصيادين بسرعة لنداء الواجب. ووسط هذه الجهود، يشدد المتطوعون على أن الدعم المالي يمثل قيداً متزايداً؛ إذ تتواصل محادثات مع السلطات الأوكرانية لترتيب نقل الإمدادات الجديدة.
تُثبت التجربة أن الشباك البحرية توفر طبقة دفاعية مهمة على خطوط الجبهة في مناطق مثل دونيتسك، حيث بات تغطية الطرق بالممرات الشبكية أمراً شائعاً لتعطيل هجمات المسيّرات.
تُوضع الشباك بين أعمدة لتشكيل أنفاق أو لتغطية الحفر والمركبات، حتى أن الطائرات الأوكرانية تستخدم قطعاً من الشباك لإسقاطها على المسيّرات المعادية.
بحلول يوليو هذا العام، كانت القوات الأوكرانية تتعامل مع أكثر من 500 طائرة مسيرة يومياً، ما يعكس شدة المعركة التقنية الدائرة منذ تصعيد روسيا لاستخدام طائرات FPV الرخيصة والمسلحة.
ولا تزال الشباك البحرية أحد “الحلول الذكية البسيطة” التي تمنع كثيراً من الأذى، وإن كانت ليست الحل الكامل.














